وهل النافلة سوى شكر واستغفار؟
ولم يعرف امرؤ أزهد منه زهادة، ولا أقنع قناعة.. فهو سيد الزهاد، وأقنع القانعين. يتحرى في معيشته الأشظف والأقشف..
ما ارتدى في حياته لباسا جديدا، ولا اقتنى ضيعة ولا ريعا، إلا شيئا كان له بينبع مما تصق به وحبسه، بل كان يلبس من الثياب الأغلظ المرقوع وينتعل نعلين من ليف.
وما شبع قط من طعام، فأكله أخشن مأكل، فإذا ائتدم فبملح أو خل، فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض. فإن ارتفع فبقليل من لبن الإبل.. أما اللحم فنادرا ما كان يذوقه. وكان يقول - وقوله يصدق فعله - وإن لم تخل عبارته من دعابة ساخرة تخز الذين يستكثرون من هذا الصنف من الأطعمة، أو يعلون عليه كمأكل أثير:
" لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ".
ولم يكن أيضا كالألى يدلون بما يفعلون إظهارا لقدرتهم على التحكم في النفس، وأخذها بما يحبون أن يشيع ذكره عنهم ولعا بالذكر أو رثاء الناس، بل كان يرى - كنص ألفاظه - أن " أفضل الزهد إخفاء الزهد ".
وكانت رياضته نفسه بهذا التقشف الشديد عن إيمان واقتناع. كانت حليفة كل سني عمره الجافة واليانعة على السواء، وليست قرينة مرحلة بذاتها من مراحل حياته قل فيها النشب ونضب المال، بل إنا لنجده أحرص على التزام هذه الرياضة عندما تملكت يمينه سلطة الدولة، وغدا مقدوره، ومن حقه، أن يتحول إلى معيشة لا توصف بأنها أرفه وإنما بأنها ليست أشظف، ولا أدل على هذه من صور السلوك الذي يطالعنا به بعد أن آلت إليه إمرة المؤمنين وأصبح صاحب الرأي