والتفت إليه عامر فقال ساخرا منه:
" أنا لا أدري أين الله؟ ".
" نعم ".
" إني لأدري ان الله بالمرصاد ".
وغضب عثمان فأرسل إلى مستشاريه وعماله فعرض عليهم نقمة المعارضين له، ونقل لهم حديث عامر معه، وطلب منهم الرأي في ذلك، فأشار عليه ابن خاله عبد الله بن عامر قائلا:
" رأي لك يا أمير المؤمنين ان تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وان تجمهرهم في المغازي حتى يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم الا نفسه، وما هو فيه من دبر دابته، وقمل فروته.. ".
وأشار عليه آخرون بخلاف ذلك إلا أنه استجاب لرأي عبد الله الداعي إلى مقابلة الناقمين عليه بالعسف والعنف، ورد عماله، وأمرهم بالتضييق على المعارضين له، كما أمرهم بتجمير الناس في البعوث، وعزم على تحريم عطائهم حتى يشيع الفقر والبؤس فيهم فيضطروا إلى طاعته (1).
ولما قفل عبد الله بن عامر إلى البصرة عمد إلى التنكيل بعامر بن عبد الله وأوعز إلى عملائه أن يشهدوا عليه شهادة زور وبهتان بأنه قد خالف المسلمين في أمور أحلها الله، وأنه لا يأكل اللحم، ولا يرى الزواج ولا يشهد الجمعة (2) ودون شهادتهم بذلك، ورفعها إلى عثمان فأمره بنفيه إلى الشام، وحمله على قتب حتى يشق عليه السفر، ولما انتهى إلى الشام أنزله معاوية (الخضراء) وبعث إليه بجارية لتكون عينا عليه، وتنقل له اخباره وشؤونه، وأشرفت عليه الجارية فرأته يقوم في الليل متعبدا،