هؤلاء الولاة قد اقترفوا جريمة السرقة، وخانوا بيت مال المسلمين ولكن الحكم بمشاطرة أموالهم لا يلائم السنة، وإنما الواجب يقضي بتقديمهم إلى ساحة القضاء، فان ثبتت خيانتهم فلابد من إقامة الحد عليهم، ومصادرة الأموال التي اختلسوها، ولا وجه لمشاطرتها، كما يجب عزلهم عن وظائفهم وسلب الثقة منهم.
وعلى أي حال فإنه بالرغم من شدة عمر ومراقبته لولاته فان هناك كانت شكوى متصلة منهم، فقد ارسل إليه بعضهم شكوى من الولاة، وخاصة على القائمين بالخراج، وقد ارسل شكواه ببيتين من الشعر وهما:
نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا * فانى لهم وفر ولسنا أولي وفر إذا التاجر الداري جاء بفارة * من المسك راحت في مفارقهم تجري (1) لقد لاحظ عليهم ثراءا حادثا وترفا لم يجده في غيرهم من عامة الناس ومن الطبيعي ان ذلك كان ناجما من اختلاسهم الأموال التي لم تكن خاضعة في ذلك الوقت للحساب والتدقيق.
بقى هنا شئ يدعو إلى التساؤل وهو ان عمر قد استعمل الشدة والصرامة مع ولاته وعماله إلا معاوية بن أبي سفيان فان كان يحدب عليه ولم يفتح معه أي لون من ألوان التحقيق، تتواتر إليه الاخبار انه قد خان بيت المال، وبالغ في السرف والبذخ فيعتذر عنه، ويقول مشيدا به:
" تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية " (2).
وليس في هدي الاسلام - والحمد لله - كسروية أو قيصرية ففي الحديث " هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن ثم