الحزن لونها وهامت في تيارات مذهلة من الأسى فأراد أن يسليها فأمرها بالدنو إليه واسر إليها بحديث فلم تملك نفسها ان غامت عيناها بالدموع ثم أسر إليها ثانية فقابلته ببسمات فياضة بالبشر والسرور، وعجبت عائشة من ذلك وراحت تقول:
" ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن!! ".
وسألتها عائشة عما أسر إليها أبوها فأشاحت بوجهها عنها وأبت أن تخبرها، ولما انصرمت الأيام أخبرت سلام الله عليها عن ذلك فقالت أخبرني:
" إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وانه عارضني في هذا العام به مرتين ولا أراه الا قد حضر أجلي... ".
وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها، وأما سبب سرورها وابتهاجها فتقول أخبرني:
" إنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك... الا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة... " (1).
لقد كان السبب في اخماد لوعتها اخباره لها أنها أول أهل بيته لحوقا به، وأخذ (ص) يخفف عنها لوعة المصاب قائلا لها:
" يا بنية لا تبكي، وإذا مت فقولي انا لله وإنا إليه راجعون، فان فيها من كل ميت معوضة ".
وقالت له بصوت خافت حزين النبرات:
" ومنك يا رسول الله؟ ".
" نعم ومني " (2).