الإمام جعفر الصادق (ع) - عبد الحليم الجندي - الصفحة ٨٧
(من أراد الدنيا فلا ينصحك ومن أراد الآخرة فلا يصحبك) فالذي يريد الدنيا يسير في ركب صاحبها فلا يقول كلمة لله. والذي يريد الآخرة يعتزل مجالس رجل يعجزه عمله ويعميه أمله عن طريق الآخرة.
وصدق " جعفر الصادق " ولم يكذب أبو جعفر المنصور فلقد كان أحوج الناس إلى النصيحة. وكانت صحبة الصادق له أمانا من النار.
* * * دخل عليه سفيان الثوري يوما فقال له: اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا فطأطأ رأسه وقال: ارفع حاجتك.. قال سفيان:
حج عمر فقال للخازن كم أنفقنا من بيت المال قال: بضعة عشر درهما.
وأرى هنا أموالا لا تطيق الجمال حملها...
وخرج سفيان.
ولما راجع المنصور كاتبه ليقتل سفيان قال له (اسكت يا أنوك (أحمق). فما بقى على الأرض من يستحى منه غير " مالك " وسفيان) (1) وإذا كان هذان الإمامان اللذان ليس في الأرض غيرهما، تلميذين في مجلس الإمام الصادق. يلتمسان علمه ويترسمان هديه. فما أحوج الخليفة إلى أن يقارب مجلس الصادق بأن يدعوه إلى مجلسه.

(1) يروى مالك أنه استدعاه فدخل فوجد عنده ابن أبي ذؤيب (159) والقاضي ابن سمعان فسأل مالكا عن حكمه (حكم المنصور) هو عدل أم جور؟ فاستعفاه مالك من الجواب.
فسأل ابن سمعان عن حكمه فأثنى عليه. فسأل ابن أبي ذؤيب فأجاب: أنت والله عندي شر الرجال. استأثرت بمال الله ورسوله وسهم ذوي القربى اليتامى والمساكين وأهلكت الضعيف وأتعبت القوى. وأمسكت أموالهم. فما حجتك غدا بين يدي الله) قال المنصور: ويحك.
ما تقول: قال: رأيت أسيافا وإنما هو الموت ولابد منه. عاجله خير من آجله.
قال مالك. ثم خرجا وجلست. فقال المنصور: أجد رائحة الحنوط عليك؟ قلت أجل لما نمى إليك عنى ما نمى وجاءني رسولك ظننت أنه القتل... قال: أو ما تراني أسعى في أود الإسلام وإعزاز الدين عائذا بالله... يا أبا عبد الله انصرف إلى مصرك راشدا مهديا. وإن أحببت ما عندنا فنحن ممن لا يؤثر عليك أحدا. قلت إن يجبرنى على ذلك أمير المؤمنين فسمعا وطاعة.
وإن يخيرني اخترت العافية.... قال انصرف إلى أهلك معافى مكلوءا. فلما أصبحنا أمر بصرر دنانير في كل صرة خمسة آلاف درهم ثم دعا برجل من شرطته فقال له: تدفع إلى كل رجل منهم صرة. أما مالك إن أخذها فبسبيله. وإن ردها عليك فلا جناح عليه. وإن كان ابن سمعان ردها، فأتني برأسه وان أخذها فهي عافيته. وإن أخذها ابن أبي ذؤيب فأتني برأسه وإن ردها عليك فسبيله.
قال مالك: أما ابن سمعان فأخذها وسلم. وأما ابن أبي ذؤيب فردها وسلم. وأما أنا فكنت والله محتاجا إليها فأخذتها. ثم رحل أبو جعفر متوجها إلى العراق.
وروى مالك أنه استدعاه يوما وعبيد الله بن طاووس بن كيسان. وكان طاووس فقيه اليمن حتى مات في سنة 106 (طاووس بن كيسان تلميذ ابن عباس جد أبى جعفر) قال أبو جعفر: حدثني حديث أبيك. قال عبيد الله حدثني أبي أن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه. قال مالك فضممت ثيابي خوفا من أن يصيبني دمه... فقال المنصور ناولني هذه الدواة.. ثلاث مرات. فلم يفعل. قال أبو جعفر لم لا تناولي؟ قال أخاف أن تكتب بها معصية فأكون قد شاركتك فيها. قال: قوما عنى. ذلك ما كنا نبغي. قال مالك فما زلت أعرف لابن طاووس فضله منذ ذلك اليوم.
ويروى الإمام الشافعي حول أساطين جامع عمرو عن عمه محمد بن علي بن شافع مثل ذلك.
عندما قال له ابن أبي أخذت المال من غير حله وجعلته في غير أهله وأن المنصور رد عليه بقوله والله لولا أنا لأخذت أبناء الفرس والروم والديلم هذا المكان منك فوالله لولا أنى أعلم أنك صادق لقتلتك.
أما عمرو بن عبيد فكان أبو جعفر المنصور يستقبله بالترحاب وينشد في نزاهته الشعر (كلكم يمشى رويد. كلكم طالب صيد. غير عمرو بن عبيد) وهو زعيم المعتزلة الذين يطلقون ألسنتهم في الملوك والصحابة. دخل عليه فقال له (إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها واذكر ليلة تتمخص عن يوم لا ليلة بعده) قال الربيع بن يونس حاجب المنصور: يا عمرو غممت أمير المؤمنين. قال عمرو للمنصور (إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا.
وما عمل وراء بابك بشئ من كتاب الله ولا سنة نبيه) قال أبو جعفر المنصور: فما أصنع قلت لك خاتمي في يدك فتعال وأصحابك فاكفني. قال عمرو: لا. أدعنا بعد لك، تسخ أنفسنا بعونك، ببابك ألف مظلمة أردد منها شيئا نعلم أنك صادق. ولما مات عمرو كان أول واحد من الرعية، وآخر واحد، ينظم في رثائه الخليفة شعرا. ومن أبياته:
وإذا الرجال تنازعوا في شبهة وصل الحديث بحجة وبيان ولو أن هذا الدهر أبقى صالحا أبقى لنا عمرا أبا عثمان والجاحظ من تعصبه لزعيمه يقول فيه (إن عبادته تفي بعبادة عامة الفقهاء والمحدثين).
وستبقى صلة المعتزلة بالدولة العباسية طويلا بعد وفاة عمرو وأبى جعفر لأن المعتزلة يمدون إلى بنى العباس سببا علميا وسببا سياسيا قالوا: إن واصلا (وهو زعيمهم مع أخي زوجته عمرو ابن عبيد) أخذ أصوله عن أبي هاشم (98) عبد الله بن محمد بن الحنفية - بن علي بن أبي طالب وكان أبو هاشم قدريا مثلهم - ينفى القدر - ويضيفون أن محمد بن علي من عبد الله بن عباس (1) تعلم على أبى هاشم (2) وتلقى منه الوصية بالإمامة بعده - دون بنى علي بن أبي طالب - عندما أحس أبو هاشم بدنو أجله إذ دس السم إليه سلميان بن عبد الملك.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 3
2 الباب الأول ظهور الإسلام 11
3 ظهور الإسلام 13
4 الفصل الأول: أخو النبي صلى الله عليه و سلم 15
5 الفصل الثاني: أبو الشهداء 39
6 ريحانة النبي في كربلاء 51
7 الباب الثاني بين السلطان و الامام 65
8 الفصل الأول: بين السلطان و الامام 69
9 أهل البيت 71
10 بين أبناء على و بنى العباس 78
11 الفصل الثاني: الرجلان 95
12 الباب الثالث امام المسلمين 113
13 الفصل الأول: في المدينة المنورة 117
14 أهل المدينة 127
15 زين العابدين 134
16 الباقر 140
17 الفصل الثاني: امام المسلمين 145
18 مجالس العلم 153
19 التلاميذ الأئمة 158
20 كل العلوم 165
21 مع القرآن 172
22 مع أهل الكوفة و أبي حنيفة 178
23 المذهب الجعفري 185
24 الباب الرابع المدرسة الكبرى 193
25 الفصل الأول: المدرسة الكبرى 197
26 المصحف الخاص أو كتاب الأصول 199
27 مصحف فاطمة 200
28 التدوين 200
29 مشيخة العلماء 210
30 التلاميذ من الشيعة 217
31 الفصل الثاني الدرس الكبير 229
32 السنة 238
33 الإمامة 246
34 أمور خلافية في الفقه 259
35 الباب الخامس المنهج العلمي 275
36 الفصل الأول التجربة و الاستخلاص 279
37 الفصل الثاني في السياسة و الاجتماع 309
38 في الدولة و قواعدها 312
39 المجتمع الجعفري 325
40 في المجتمع و دعائمه 331
41 الاخوة 334
42 المرأة 338
43 العلم 339
44 الدعاء 341
45 الفصل الثالث المنهج الاقتصادي 343
46 العمل 347
47 المضطرب بما له و المترفق بيده 349
48 المال 357
49 العبادة و النفاق المال 358
50 كنز المال 364
51 الباب السادس في الرفيق الاعلى 367
52 عدالة السماء 375