وكان في الستين من العمر، يروى عنه الآلاف حديث النبي وفقه الصادق وأبيه وأجداده.
والذين يحسنون الظن بالمنصور لا يتصورون حلمه يطيش فيفقد الأمة الإمام الذي لا ينازعه ملكه. وربما جاز للذين لا يحسنون الظن، أن يخالوه يحسب حسابا للأعداد التي لا تحصى من تابعي الإمام. وقد كان أبو جعفر يحسب حساب العلماء ومن بطش الحكام بالعلماء ما يدمر الدول.
ومن فداء الأتباع ما يستهان فيه بعرين الأسد. لقد اقتحم الفدائيون من أتباع سنان (شيخ الجبل) خيمة صلاح الدين وهو في عسكره ليصيبوه بخناجرهم في وجهه.
* * * ظاهر من حديث الإمام أنه حدثه في صلة ذوي الأرحام، وإن كانوا كفارا. فما أحراهم بالصلة إن كانوا غير ذلك. ويظهر مما يرويه الطبري أن أبا جعفر كان يود أيامئذ لو نسى الناس ما كان من أهل البيت في حقه. وما كان منه في حقهم.
روى الطبري: لما أتى المنصور برأس إبراهيم بن عبد الله وضعه بين يديه وجلس مجلسا عالما وأذن للناس. فكان الداخل يدخل فيسلم ويتناول إبراهيم فيسئ القول فيه. ويذكر منه القبيح التماسا لرضى أبى جعفر، وأبو جعفر ممسك متغير لونه. حتى دخل جعفر بن حنظلة البهراني فسلم ثم قال (عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك) فاصفر لون أبى جعفر وأقبل عليه فقال:
أبا خالد. مرحبا وأهلا. فعلم الناس أن ذلك قد وقع منه. فدخلوا فقالوا مثل ما قاله جعفر بن حنظلة.
وربما دل على ذلك الميل ما يرويه عيسى بن رؤبة: لما جئ برأس إبراهيم فوضع بين يدي أبى جعفر بكى. حتى رأيت دموعه على خدي إبراهيم. ثم قال: أما والله إن كنت لهذا لكارها. لكنك ابتليت بي وابتليت بك.