مملكة السماء. أما أبو جعفر المنصور فادعى في الأرض سلطان السماء.
وأي شئ يستبعد على صاحب هذه الدعوى!!
* * * وأبو جعفر - مع ذلك - ليس إلا واحد من المستبدين الذين يزخر ثبت التاريخ بخطاياهم أو ضحاياهم.
إليك مثلا واحدا من تاريخ الدولة التي تلقى إليها الديمقراطية الغربية مقاليدها: لقد أرسل (هنري الأول) ملك إنجلترا فرسانه يقتلون (توماس) بيكت رئيس أساقفة لندن من أجل خلافه معه في ولاية العهد لابنه في الثلث الأخير من القرن الثاني عشر. وفي الثلث الأول من القرن السادس عشر بعث (هنري الثامن) ملك إنجلترا (توماس) ولزي رئيس أساقفة يورك إلى السجن ريثما يصدر عليه حكم الإعدام فمات قبل أن يعدم. ثم أرسل إلى المقصلة (توماس) مور كبير قضاته من أجل خلافهما له في زواجه وطلاقه.
* * * ولقد كان فزع المنصور من أجل دولته حريا أي يخرجه عن الاتزان فيستحوذ عليه الشيطان، و لولا إمساك الإمام الصادق بالأعنة كلها كلما لقيه، فكان يضعه في موضع النصفة.
والذين يهابون لقاء الملوك ضعفاء عن إخفاء دخائلهم، من البغض أو الحسد أو الخوف. والذين ليس في قلوبهم من ذلك شئ يشجعون.
أما الأئمة فالله معهم. وهو حسبهم.. وأين من هذا الذي معه مالك الأرض والمساء ملوك دولة أو أقليم!
من أجل ذلك يشجع الرجال الصدق إذ يستشهدون. ومن أجله نظر الصادق إلى أبى جعفر في شجاعة وصدق. فكان يلزمه القصد والنصفة.
ولا عجب إذا كان أبو جعفر في دخيلة نفسه، يريد ليحفظ ظاهر الأمر في وقار من لا يسفك الدم إلا بقدر والصادق حجة له في ثبات حكمه، مذ كان لا يرى بيعة غيره.