كان من لوازم السلطة أو علامات عدم الثقة بالنفس أو بالغير، أن تتراءى من أبى جعفر في لقائه لأهل البيت أو التعامل معهم نزعات المستوفز الحذر، أو مظاهر الاستعلاء عند مواجهة الأعداء، أو من يضعهم في مواضع الأعداء. لكن الإمام " الصادق " كان يمسك بالزمام فيرد الخليفة دائما إلى حيث يطلب الموعظة، أو العلم.
ومن إمساك الزمام في أحد هذه اللقاءات إمساك الخليفة ذاته أن يميل على أهل البيت. فيقول له (لا تقبل في رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار. فإن النمام شاهد زور وشريك إبليس في الإغراء بين الناس. فقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ونحن أنصار وأعوان. وللملك دعائم وأركان، ما أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن، وأرغمت بطاعتك الله أنف الشيطان. وإن كان يجب عليك في سعة فهمك وكثرة علمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. فإن الكافي ليس بالواصل.
إنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها. فصل رحمك يزد الله في عمرك، ويخفف عنك الحساب يوم حشرك).
ويقول المنصور: قد صفحت عنك لقدرك. وتجاوزت عنك لصدقك.
فحدثني عن نفسي بحديث أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات.
وبهذا السؤال انتشل المنصور نفسه من موقع قاطع الرحم، إلى موضع المواسي لذوي القرابة، ومكانة طالب الموعظة، فأدلى بها إليه الإمام.
قال (عليك بالحلم فإنه ركن العلم. واملك نفسك عند أسباب القدرة.
فإنك إن تفعل ما قدرت عليه كنت كمن شفى غيظا وداوى حقدا، وأحب أن يذكر بالصولة. وأعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل. والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر).