ولقد طالما افتتن بشخصيته الناس ومنهم المستشرقون الذين يتحدثون عنه، على طريقتهم في الإيضاح عن آرائهم، مثل كارادي فو. حيث يتصوره (ذلك البطل المتوجع المتألم. والفارس الصوفي. والإمام ذو الروح العميق القرار، التي يمكن في مكامنها سر العذاب الإلهي).
وإذا ذكرت كلمة (الإمام) مطلقة، انصرفت إلى علي بن أبي طالب دون سائر الصحابة.
ولم يكن النهج العلمي الذي أوجزنا الإشارة إليه، قبل، إلا استعمالا لأصول تهدى إلى معرفة حكم الشرع ودليله، لبلوغ " السعادة في الدنيا والآخرة ".
وكان طبيعيا، وقد تضافرت في رسم حدود هذه السعادة، وضوابطها، والعلاقات الهادية إليها نصوص القرآن والسنة. أن يجلي الإمام علي في هذا المجال.
وأن يتخلف لنا من حياته وسنوات حكمه على قصرها، وانحسار سلطته فيها، مواقف معلمة، ونصوص شارحة، وأن يتتابع في نسقها أعمال الأئمة من بنيه ليتشكل منها " مذهب سياسي واجتماعي واقتصادي " متكامل:
فنرى الحسن يضرب مثلا في العطاء وحقن الدماء. ونرى الحسين يضرب مثلا للجهاد في حروب الأمة وللاستشهاد في سبيل الحق. ونرى الأئمة بعدهما يفصلون القواعد للمجتمع العظيم، والدولة المثلى، والأسرة الفاضلة، والإنسان الذي يتغيا الكمال.
وكان لزاما، أن تكون بين تعاليمهم تعاليم دستورية واقتصادية واجتماعية.
فالإمام على، والأئمة من عقبه، بناة دول، وحماة مجتمعات. ازدهرت فيها الأسرة وصلح بها الرجل والمرأة. واستغنى الناس فيها بكدهم وكدحهم.
في الدولة وقواعدها لم يكد أمير المؤمنين يتلقى البيعة حتى أطلق كلماته كالصواعق رجوما للمنحرفين. أو كالبوارق المتألقة بآمال المصلحين. في منهاجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجامع.
المساواة أساس الدولة لقد خطب في اليوم التالي لمبايعته فقال (أما بعد.. ألا لا يقولن رجال منكم