الحق أن أبا جعفر كان من فزعه من الآخرة وحاجته إلى رضى الرعية صادق الرغبة في التقرب إلى العلماء، ومن أجل ذلك كان يرضى منهم ما يصك مسامعه من النقد وإن كان لا يستجيب له.
طلب ذلك من صديقه عمرو بن عبيد. والمعافري (1)، فاعتزلاه لكثرة الظلم على بابه كما قالا له. وهز ضميره ابن أبي ذؤيب وتوعده بجهنم.
وكمثله صنع ابن طاووس فقبل استعفاء الصديقين. وأقر صدق ابن أبي ذؤيب (2) فقال له: لولا أنني أعلم أنك صادق لقطعت عنقك، كما ارتاح لابن طاووس مع رفضه أن يطيعه مخافة أن تؤدى طاعته إلى المشاركة في معصية.
ولقد رفض أبو حنيفة أن يجلس للقضاء في دولته بحجة الخوف من أن يظلم الناس إرضاء لحاشية يحب أبو جعفر أن يكرمها. وما إكرام الحاشية إلا الحكم لمصلحتها فيما ترتكب من مظالم، لحساب صاحب السلطان أو نتيجة إغضائه. وهذا رد فقهي من إمام أهل الرأي يتضمن التنديد بأبي جعفر وصحبته.
وصحبة الظالم وجه مشاركة في الحكم، وربما في الظلم، بتوطيد الأمور للظالم أو بتمكينه أن يبلغ غرضه، أو تقديم مصلحته على مصلحة