جعفر، لأنه أمير المؤمنين. قال: إليك يجبى - يا أمير المؤمنين - الخراج.
وجعل التسليم بإمارة المؤمنين يسبق كلمة الخراج، فهذه العبارة بيعة بتمامها.
والخراج حق من بويع له.
وكان انتقال أبى جعفر من استجوابهم إلى إخبارهم بأسباب دعوتهم، نقلة من الغضب إلى غيره. ومن الاستجواب إلى الوعيد، وإلى الاستعلاء.
لكن الصادق نقله من عالم الكبرياء المظلم، إلى آيات الله التي تطمئن لها القلوب. فجعله - دون أن يشعر - مقارنا في موقفه بمواقف الأنبياء، لعله يهتدى بهم. وذكره كلام ربه جل وعلا. وذكره الشكر والصبر والمغفرة. وذيل ذلك كله بأنه من نسل الذين يغفرون ويشكرون ويصبرون.
بهذا أمكن الرجل الذي قد قلبه من الصخر أن يبتسم. بل أقبل يسأل أن يتعلم. فحدثه الإمام الأحاديث، واحدا بعد واحد، حتى وقف منها عند حديث طول العمر. فلقد كان يرجو أن يطول عمر دولته، التي يخسر من أجلها في كل يوم آخرته، إلا أن يغفر الله له.. فظن أنه بهذا الحديث يجد أمانا لنفسه أو تخفيفا لما تكابده. وعندئذ ظهر ضعف نفسه، وجلال شأن المعلم الذي يتعلم عليه.
ولم يكد الإمام يأخذ زمام الكلام حتى راح يعلمه درسا من الدروس في البداء: وهو أن القضاء الذي يتوقف على الشرط يتحقق عند وقوع الشرط. فهذا ملك وصل رحمه فطالت عمره من ثلاث إلى ثلاثين، - وكان أبو جعفر ملكا - ولكم طالت العمر على ملك بنيه وحفدته.
فلقد كان كل خلفاء بنى العباس بعده منهم ملكوا خمسة قرون، حتى دمر الظلم دولتهم.
إنما كان أبو جعفر يتداول الإمام الصادق بحذر خليق بما للصادق من كرامة عند الله والناس. وهو صاحب أكبر مدرسة شهدتها حواضر الإسلام في ذلك الزمان: المدينة ومكة والكوفة وبغداد والفسطاط.