بالتوازن، فسولت له نفسه أن يتخلص من البيعة بالخلاص ممن بايعه، وإن كان من قبل يمسك بركابه. بل طوعت له شهوته أن يتخلص ممن قد يشهد ضده حتى لا يراه الناس أو يسمعوه يحكى لهم ما قد رأى وقد سمع:
قال يعقوب بن عربي: (سمعت أبا جعفر يقول في أيام بنى أمية ما في آل محمد أعلم بدين الله ولا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبد الله. وبايع له. وكان يعرفني بصحبته، والخروج معه.. فلما قتل حبسني عشرين سنة).
* * * طلب أبو جعفر من عبد الله بن الحسن ابنيه محمدا وإبراهيم. فأنكر مكانهما، فتقاولا. وأغلظ كل لصاحبه، وانصرف الخليفة من المدينة. فبث الجواسيس يأتونه من كل مكان بأخبار بنى الحسن.
وفي سنة 140 قصد أبو جعفر للحج فنزل بالمدينة. ودعا عبد الله بن الحسن وطالبه بولديه.
وكانا يأتيان أباهما معتمين في هيئة الأعراب فيستأذنانه في الخروج فيقول " لا تعجلا حتى تملكا. إن منعكما أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ".
ولما لم ينل أبو جعفر منالا انصرف من المدينة وأمر بحبس عبد الله، وأهل بيته، فبقوا في السجن ثلاث سنين في دار مروان - دار الإمارة في حكم بنى أمية - حتى إذا كانت سنة 144 ولى أبو جعفر المنصور رباح بن عثمان عاملا على المدينة.
وحج في العام ذاته فتلقاه عامله بالربذة فرده إلى المدينة لإشخاص عبد الله ابن الحسن وأهل بيته - بما فيهم محمد بن عبد الله.. بن عثمان - شاهد البيعة يوم الأبواء - فكانوا خمسة عشر أخذوا في محامل إلى الربذة. ونظر الإمام الصادق إليهم وعيناه تهملان حتى جرت دموعه على لحيته. واقتيدوا إلى الربذة في الأغلال. ومزقت السياط جسد (محمد بن عبد الله.. بن عثمان) حتى إذا خرج أبو جعفر في محمل، ناداه عبد الله بن الحسن قائلا: يا أبا جعفر.
والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر.. فلوى أبو جعفر رأسه كبرا ولم يعرج.