بذلك أو علموه من جهة أنهم رأوا خلقه مركبا على الغضب والشهوة، ومن كان كذلك فالظاهر أنه يفسد ويسفك الدماء، أو علموه لانهم لما رأوا ما خلق للانسان من العذاب في النار، أو لتسمية الله تعالى آدم خليفة فإنه قيم بفصل الخصومات، فعلموا أحواله من جهة خلافته، وكل هذه الوجوه منقولة.
وأما إضافتهم ذلك إلى جميع بني آدم فليس في الكلام صريح إضافة إلى الجميع، ولو صدر هذا من واحد صح أن يقال: جعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء، لان من تقع على الواحد والجمع.
والجواب عن هذا الوجه الثاني: وهو أن قولهم: إن هذه غيبة لبني آدم، أن الغيبة قد تباح للمصلحة في مواضع، منها نصيحة المسلم في عبد يشتريه، أو زوجة يتزوجها، أو ما ناسب ذلك، لحديث فاطمة بنت قيس، لما خطبها معاوية وأبو جهم، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها:
" أما معاوية فصعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع العصى عن عاتقه "، ومنها إعلامه بما يقال فيه ليتجنبه، ومنها الاعلام بحال من لا يصلح لأمر مهم من أمور المسلمين، مثل ولي أمر يريد أن يولي رجلا ما لا يصلح له، ومثل رجل يريد أن يستفتي أو يتعلم منه، ومنها أن يكون ذلك للتعريف، كالألقاب، ومنها ما يقع في الفتوى والتعلم، فيجوز للمتعلم والمستفتي أن يوضح الحال فيما أريد السؤال عنه، كقول المرأة للمفتي: زوجي كذا فما أفعل، وقد صح في هذا حديث هند امرأة أبي سفيان وأنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أبا سفيان رجل شحيح، وجاز ذلك لحاجتها إلى علم ما يجوز لها أن تتناول من ماله، وقصة الملائكة من هذا الباب، لان قصدهم إنما كان معرفة الحكم وإزالة الاشكال في ذلك والتعلم، فكان ذلك من الغيبة الجائزة.
والجواب عن الوجه الثالث، وهو أن قولهم: (ونحن نسبح بحمدك) إلى آخره جار مجرى الاعجاب من وجهين.
أحدهما: أنا لا نسلم أن ذلك من باب مدح النفس، بل هو من التحدث بنعم الله عز وجل، والتحدث بنعم الله شكر، وقد قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (وأما بنعمة ربك فحدث).
والثاني: أن ذلك جار مجرى الاعتذار عما ذكروه، لان قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها) في صورة الاعتراض، فأراد الملائكة نفي توهم ذلك عنهم، فأتبعوا سؤالهم بقولهم (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) يعنون الله تعالى أعلم، أنا لسنا نعترض عليك في أمرك، فإنا عبيدك المسبحون المقدسون.
والجواب عن الرابع هو أن إبليس كان من الملائكة وعصى، وأن الناس اختلفوا فيه.
قال الامام النووي: روي عن طاوس ومجاهد وابن عباس - رضي الله عنهما - أنه