الثاني: أنهم رسل الله تعالى بقوله تعالى (جاعل الملائكة رسلا) [فاطر 1] والرسول معصوم لقوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وهو بناء على أن الكل رسل، وقد تقدم الكلام فيه، وعلى أن قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) من أدلة العصمة غير الأنبياء ولمانع أن يمنع ذلك.
قال القاضي - رحمه الله تعالى -: وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين منهم والمقربين. واحتجوا بأشياء ذكرها أهل الأخبار والتفاسير نحن نذكرها إن شاء الله تعالى بعد، ونبين الوجه فيها إن شاء الله تعالى، والصواب عصمة جميعهم وتنزيه جانبهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارهم، واحتج من لم يوجب عصمة الملائكة جميعهم بأمور.
أحدهما: قصة هاروت وماروت، وهي قصة مشهورة، وخلاصتها أن هاروت وماروت كانا ملكين، وعجبا من عصيان بني آدم، وقالا: لو ركبت فينا شهوة بني آدم لما عصينا، فأنزلهما الله تعالى إلى الأرض، وركب فيهما الشهوة وقيض الله لهما الزهرة - وكانت من أجمل نساء وقتها - وأعجبتهما، وحملتهما على السجود للصنم وقتل النفس وشرب الخمر، وتعلمت منهما الاسم الأعظم وصعدت به إلى السماء، فمسخت إما كوكبا، وإما سحابا، وإنهما استشفعا بإدريس، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فلبسا الحديد ومكثا في بيوتهما ببابل، بينهما وبين الماء أربعة أصابع، ويوجد في هذه القصة زيادة ونقصان واختلاف كثير.
قال الشيخ كمال الدين: وأئمة النقل لم يصححوا هذه القصة، ولا أثبتوا روايتها عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال القاضي رحمه الله تعالى: إن هذه الأخبار لم يرو منها شئ لا صحيح ولا سقيم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم.
فإن قيل: ففي كتاب الله تعالى (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) [البقرة: 102].
قلت: للناس في ذلك أقوال كثيرة، والمحققون ذهبوا في معناها إلى غير ما ذكر أولا في قصة هاروت وماروت، وقالوا في الآية قراءتان في (ملكين) إحداهما بكسر اللام وهي شاذة، والمشهورة بفتح اللام، ولكن ذكروا في تأويل ذلك أن الله تعالى كان قد امتحن الناس بالملكين، فإن السحر كان قد ظهر، وظهر قول أهله، فأنزل الله تعالى ملكين يعلمان الناس