قال الشيخ في الحبائك: وقال الصفوي الأموي في رسالته بعد أن ذكر عصمتهم واستدل عليها واحتج المخالف بقصة هاروت وماروت، وبقصة إبليس مع آدم، وباعتراضهم على الله تعالى في خلق آدم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) وجوابه على سبيل الاجمال: إن جميع ما ذكرتم محتمل احتمالا بعيدا أو قريبا، وعلى التقديرين لا يعارض ما دل على عصمتهم زمن الصرايح والظواهر، قال الشيخ: وهذا الجواب في قصة هاروت وماروت أعقد من الجواب الذي قبله لما تقدم عند ذكرهما من الأحاديث الصحيحة.
وقال القرافي من أئمة المالكية: ومن اعتقد في هاروت وماروت إنما يعذبان بأرض الهند على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم تنزيههم عن كل ما يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه.
وقال البلقيني في منهج الأصلين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكة، وجائزة لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة، ولذلك نعتقد عصمة الملائكة المرسلين منهم وغير المرسلين، [قال الله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرن) والآيات في هذا المعنى كثيرة] وإبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان من الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت [فلا يصح فيهما خبر، وفي كتاب الجامع من المحلى لابن حزم أن هاروت وماروت] (1) من الجن، وليسا ملكين.
قال الشيخ: قلت: فإن صح هذا لم يحتج إلى الجواب عن قصتهما، كما أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان بينهم وهو من الجن.
وقال الإمام أبو منصور الماتريدي إمام الحنفية في الاعتقاديات: كما أن الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام الشافعية في ذلك ما نصه: " ثم إن الملائكة كلهم معصومون، خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت ". وقال القرافي: اعلم أنه يجب على كل مكلف تعظيم الأنبياء بأسرهم، وكذلك الملائكة ومن نال من أعراضهم شيئا فقد كفر، سواء كان بالتعريض أو بالتصريح، فمن قال في رجل يراه شديد البطش هذا أقسى قلبا من مالك خازن النار، وقال في رجل يراه مشوه الخلق هذا أوحش من منكر ونكير، فهو كافر، إذ قال ذلك في معرض النقص بالوحاشة والقساوة.
الثاني: من الأدلة التي استدل بها من قال بعدم عصمتهم في قصة آدم وأمرهم بالسجود له ما قالوا عند خلقه والاحتجاج بها من وجوه: