الرجلين، فقم إلي يا علي، فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فأرسل يده، وقال: قم يا عثمان، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم، قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان وبايعه علي بن أبي طالب أولا، ويقال آخرا، هذا الذي يجب الاعتماد إليه، وأما ما هو مسطور في كتب المؤرخين وأرباب السير فلا يعرج عليه، ثم إن عثمان - رضي الله تعالى عنه - لما بويع رقي إلى منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر أو قبل الزوال يومئذ وعبد الرحمن جالس في رأس المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أيها الناس: إنكم في بقية آجالكم، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى ثم جدوا ولا تغفلوا أين أبناء الدنيا واخوانها؟
أين الذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بها طويلا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمي الله عز وجل، واطلبوا الآخرة حيث رغب الله - عز وجل - فيها، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد ضرب لكل مثلا، فقال سبحانه وتعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا) [الكهف 45].
وفي لفظ: لما بويع له خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله، فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وفي خطبة أخرى: قال ابن آدم اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطاك إلى غيرك منذ أتيت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك فخذ حذرك واستعد له ولا تغفل، فإنه لا يغفل عنك، واعلم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد فلا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك، والسلام.
وفي أخرى: إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطيكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، لا تشتغلوا بالفانية عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله، واتقوا الله فإن تقواه جنة من عذابه ووسيلة عنده، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.
الثالث: في استحياء النبي - صلى الله عليه وسلم - منه.
روى الإمام أحمد يحيى بن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة - رضي الله تعالى