كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طليق الوجه، بسام من غير ضحك، محزون من غير عبوس، شديد من غير عنف، متواضع في غير مذلة في غير سرف، رحيم بكل ذي قربى ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق، لم يبشم قط من شبع، ولم يمد يده إلى طمع قط، قال أبو سلمة:
فحدثت عائشة بهذا الحديث كله عن أبي سعيد فقالت: ما أخطأك حرفا، ولقد قصر أما أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتلئ شبعا قط، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة أحب إليه من اليسار، والغنى، إن كان ليظل جائعا يلتوي ليلته حتى يصبح فلا يمنعه ذلك من صيام يومه، ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها، من مشارقها ومغاربها لفعل، قالت: وربما بكيت رحمة مما أراني له من الجوع فأمسح بطنه بيدي وأقول: نفسي لك الغداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك، ويمنع الجوع، ويقول: يا عائشة: إن إخواني من أولى العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مثابهم، وأجزل ثوابهم، أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بن دونهم فالصبر أياما يسيرة أحب إلى مما ينقص حظي غدا في الآخر، فما من شئ أحب إلى من اللحوق إلى إخواني في سنده ميسرة بن عبد ربه.
تنبيهان الأول: تقدم في حديث حسن أنه لم يكن له صلى الله عليه وسلم بواب، عن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة، وهي تبكي عند قبر، فقال: " اتقي الله، واصبري "، قالت: إليك عني، فإنك تخلو من مصيبتي، قل: فأجوزها، ومضى، فمر بها رجل فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما عرفته؟ قال: إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءت إلى بابه، فلم تجد عليه بوابا... الحديث، ولا يخالف هذا حديث أبي موسى أنه كان بوابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا انفراده من أمره، يرفع الحجاب بينه، وبين الناس، ويبرز لطالب الحاجة إليه، وفي حديث عمر بن الخطاب حين استأذن له الأسود في قصة حلف ألا يدخل على نساء شهرا، ففيه أنه كان في وقت خلوته بنفسه يتخذ بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه، ولم يحتج إلى قوله: يا رباح استأذن لي، ويحتمل أن يكون سبب استئذان عمر أنه خشي أن يكون وجد عليه بسبب ابنته، فأراد أن يختبر ذلك باستئذانه عليه، فلما أذن اطمعان قاله الحافظ.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
التواضع: مصدر تواضع: هو هضم النفس من الملكات المرضية المورثة للمحبة من الله ومن خلقه. (*)