وروى البلاذري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنع رأسه حتى ينظر إلى حاشية ثوبه.
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأردية ألبسة العرب، والالتفاع لبسة الإيمان)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلفع.
وروى ابن عدي عن عون بن سلام عن معلى بن هلال (1) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قال: التلفع والتقنع من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتقنع والأحاديث في هذه كثيرة.
تنبيهات الأول: قال الحافظ رحمه الله تعالى: قول عائشة متقنعا أي مطيلسا رأسه، وهو أصل في لبس الطيلسان، وقال أيضا في موضع آخر من الفتح: التقنع تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره.
وقال التوربشتي في قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما تقنع: أي لبس قناعا على رأسه، وهو شبه الطيلسان.
الثاني: قول ابن القيم رحمه الله تعالى: لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسه أي الطيلسان، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال، فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود إصبهان عليهم الطيالسة، ورأى أنس رضي الله تعالى عنه جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر، ومن هنا كرهه جماعة من السلف، والخلف، لما روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) وفي الترمذي: (ليس منا من تشبه بغيرنا) وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه متقنعا بالهاجرة فإنما فعله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك للحاجة، ولم تكن عادته التقنع، وقد ذكر أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع، وهذا إنما كان يفعله للحاجة من حر ونحوه - انتهى كلامه، وهو مردود من وجوه:
التبيه الأول: قوله لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم لبسه يرده ما رواه الترمذي في الشمائل، وابن سعد والبيهقي عن يزيد بن أبان والخطيب عن الحسن بن دينار عن قتادة كلاهما عن أنس رضي الله تعالى عنهم، والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع، ولفظ الترمذي وسهل: القناع، ولفظ الخطيب: ما رأيت أدوم قناعا من