الثالث: قال في زاد المعاد أيضا كان شيخا أبو العباس في تيهته رحمه الله تعالى يذكر في سبب الذؤابة شيئا بديعا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه بالمدينة، لما رأى رب العزة تبارك وتعالى فقال: (يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي فعلمت ما بين السماء والأرض) الحديث.
رواه الترمذي، وقال إنه سأل البخاري عنه فصححه، قال أبو العباس رحمه الله تعالى:
فمن تلك الغداة أرخى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذؤابة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولم أر هذه الفائدة في شأن الذؤابة لغيره، وقال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: لم نجد لما ذكره أصلا.
وقال الحافظ أبو ذرعة بن الحافظ أبي الفضل العراقي رحمهما الله تعالى في تذكرته بعد أن ساق ما تقدم عن ابن تيمية، إن ثبت ذلك فهو وصفه، وليس يلزم منه التجسيم، لأن الكف يقال فيه ما قاله أهل الحق في اليد، فهم ما بين متأول وساكت عن التأويل، مع نفي الظاهر، كيفما كان فهو نعمة عظيمة، ومنة جسمية، حلت بين كتفيه فقابلها بإكرام ذلك المحل الذي حطت فيه تلك النعمة، والمراد بالذؤابة ههنا القامة لموافقة الحديث الذي قبله وأكثر اشتهرها على شعر الرأس، وقد تطلق على المتدلي من غيره.
الرابع: قال شيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف رحمه الله تعالى في كتابه صوبة الغمامة، في إرساله طرف العمامة: إسبال طرف العمامة مستحب مرجح فعله على تركه، كما يؤخذ من الأحاديث السابقة خلافا لما أوهمه كلام النووي رحمه الله تعالى من إباحته بمعنى استواء الطرفين.
قال الإمام النووي في شرح المهذب: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها، بغير إرساله، ولا كراهة في واحد منهما، وذكر معناه في الروضة باختصار.
قال في شرح المهذب: ولم يصح في النهي عن ترك الإرسال شئ، وذكر أنه صح في الإرخاء حديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه أي السابق - هذا كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى. قال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى: ولم أر من تعقبه، ويمكن أن يقال قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه بإرخاء طرف العمامة، وعلله صلى الله عليه وسلم لأنه أعرب وأحسن، فهو مستحب وأولى، وتركه خلاف الأولى والمستحب. واظاهر أن الإمام النووي أراد بالمكروه ما ورد فيه نهى مقصود، وليس الترك مكروها بهذا المعنى، ولا يمتنع كون الإرسال أولى أو مستحبا، وأما إن أراد بالمكروه ما يتناول خلاف الأولى، كما هو اصطلاح متقدمي الأصوليين، فلا نسلم كون الترك غير مكروه بهذا المعنى بل هو مكروه.