وكتب إليه أخوه الحسن يلومه على إعطائه الشعراء، فكتب إليه: أنت أعلم مني (١) بأن خير المال ما وقى العرض (٢).
وجنى غلام له (٣) جناية توجب العقاب عليه (٤) فأمر بتأديبه [أن يضرب] فقال: يا مولاي قال الله تعالى (والكاظمين الغيظ) قال (عليه السلام): خلوا عنه فقد كظمت غيظي، فقال: [يا مولاي] (والعافين عن الناس) قال (عليه السلام): قد عفوت عنك، فقال: [يا مولاي]:
﴿والله يحب المحسنين﴾ (5) قال: أنت حر لوجه الله تعالى، وأجازه بجائزة سنية (6).
وقيل: أن معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوة فاخرة فرد الجميع عليه ولم يقبل منه شيئا (7)، فهذه سجية الجود وشنشنة الكرم وصفة من حوى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم. ومما يؤذنك بكرمه وسماحته ذكر ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا من ثبات قلبه وشجاعته، إذ الشجاعة والسماحة توأمان ورضيعا لبان، فالجواد شجاع والشجاع جواد، وهذه قاعدة كلية وإن خرج منها بعض الآحاد، ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف من ماله والتالد، وقد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد (8):
وإذ رأيت أبا يزيد في ندى * ووغى ومبدي غارة ومعيدا أيقنت أن من السماح شجاعة * تدنى وأن من الشجاعة جودا