الذلة ويتعلقها فذلك (1) مهبول الأم، لا تعرف نفسه شرفا ولا له عن الخساسة والدناءة منصرفا، ومن كان كرارا صبارا خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مرججة بعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة، ومراوحة الرماح فائدة وعائدة، ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة، ومناوحة المصائب منقبة شاهدة، جانحا إلى ابتياع العز بمهجته ويراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا وإن غادره جماحه قتيلا (2):
يرى الموت أحلى من ركوب دنية * ولا يقتدي للناكصين عليلا (3) ويستعذب التعذيب فيما يفيده * نزاهته عن أن يقاد (4) ذليلا فهذا مالك زمام الشجاعة وحائزها، وله من قداحها معلاها وفايزها، وقد صحف النقلة (5) في صحائف السير بما رواه وحرروا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه:
إن الحسين (عليه السلام) لما قصد العراق وشارف الكوفة سمع به أميرها عبيد الله بن زياد لعنه الله، فسرب الجنود لمقاتلته إسرأبا وحزب الجيوش (6) لمحاربته أحزابا، وجهز إليه من العساكر عشرين ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل، فأحدقوا به شاكين في كثرة العدد والعديد، ملتمسين منه نزوله على حكم بن زياد وبيعته ليزيد، فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد، ويصعد بالأرواح إلى المحل الأعلى ويطرح الأشباح على الصعيد، فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها، وعزفت عن ارتكاب الدنية فأباها، ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالإجابة إلى مجانبة