الذلة وحباها، فاختار مجالدة الجنود ومصادمة ضباها (1)، والصبر على مقارعة صوارمها وكثرة وسم سباها.
وكان أكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد كاتبوه وطاوعوه، وشايعوه وتابعوه، وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه، فلما جاءهم أخلفوه ما وعدوه، ومالوا إلى السحت العاجل فقصدوه، فنصب نفسه (عليه السلام) وإخوته وأهله وكانوا نيفا وسبعين (2) لمحاربتهم، واختاروا جميعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم، فاعتقلهم الفجرة الطغام ورشقتهم الرماح والسهام. هذا والحسين (عليه السلام) ثابت (3) إقدامه في المعترك أرسى من الجبال، وقلبه لا يضطرب لهول القتال ولا لقتال الرجال ولا لمنازلة الأبطال، ثم قال:
يا أهل الكوفة قبحا لكم وتعسا حين استصرختمونا، فآتيناكم مرجفين فشحذتم علينا سيفا كان في إيماننا، وحثثتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا، فأصبحتم الباغين على أوليائكم، ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا ذنب كان منا إليكم، فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا تركتمونا، والسيف ما سام، والجأش ما طاش، والرأي لم يستحصد، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الذباب، وتهافتم تهافت الفراش، ثم نقضتمونا سفها وظلما، ألا لعنة الله على الظالمين. ثم حمل عليهم وسيفه مصلت في يده وهو ينشد ويقول:
أنا ابن علي الخير (4) من آل هاشم * كفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدي رسول الله أكرم من مضى (5) * ونحن سراج الله في الأرض (6) نزهر