لا أبوح به لأحد إلا لك عند موته. [قال: هات] وقصصت عليه القصة التي قالها لي من أولها إلى آخرها وهو متعجب من ذلك، ثم أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلى المصلى وتأنينا بالصلاة عليه قليلا فإذا بالرجل قد أقبل على بعير من جهة الصحراء كما قال ونزل ولم يكلم أحدا فصلى عليه وصلى الناس معه، وأمر الخليفة بطلب الرجل فلم يروا له أثرا ولا لبعيره (1).
ثم إن الخليفة قال: نحفر له من خلف قبر الرشيد، فقلت له: يا أمير المؤمنين ألم أخبرك بمقالته؟ قال: نريد ننظر إلى ما قلته، فعجز الحافرون، فكانت الأرض أصلب من الصخر الصوان، وعجزوا عن حفرها وتعجب الحاضرون من ذلك، وتبين للمأمون صدق ما قلته له عنه. فقال: أرني الموضع الذي أشار إليه، فجئت بهم إليه فما كان إلا أن كشف التراب عن وجه الأرض فظهرت الأطباق فرفعناها فظهر من تحتها قبر معمول وإذا في قعره ماء أبيض، وأعلمت الخليفة فحفر وأبصره على الصفة التي ذكرتها له، وأشرف عليه المأمون وأبصره. ثم إن ذلك الماء نشف من وقته فواريناه ورددنا فيه الأطباق على حالها والتراب، ولم يزل الخليفة المأمون يتعجب بما رأى ومما سمعه مني ويتأسف عليه ويندم، وكلما خلوت في خدمته يقول: يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن الرضا؟ فأعيد عليه الحديث فيتلهف ويتأسف ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون (2).