المأمون له بذلك، فامتنع منه، فلم يزالا به حتى أجاب على أنه لا يأمر ولا ينهى ولا يولي ولا يعزل ولا يتكلم بين اثنين في حكم ولا يغير شيئا هو قائم على أصوله، فأجابه المأمون إلى ذلك.
ثم إن المأمون جلس مجلسا خاصا لخواص أهل دولته من الأمراء والوزراء والحجاب والكتاب وأهل الحل والعقد، وكان ذلك في يوم الخميس وأحضرهم، فلما حضروا قال للفضل بن سهل: أخبر الجماعة الحاضرين برأي أمير المؤمنين في الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، وأنه ولاه عهده وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر وأخذ أعطياتهم وأرزاقهم سنة على حكم التعجيل، ثم صرفهم.
فلما كان الخميس الثاني حضر الناس وجلسوا على مقادير طبقاتهم ومنازلهم كل في موضعه، وجلس المأمون، ثم جيء بالرضا (عليه السلام) فجلس بين وسادتين عظيمتين وضعتا له وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر المأمون ابنه العباس بالقيام إليه والمبايعة له أول الناس، فرفع الرضا (عليه السلام) يده [فتلقى بها وجه نفسه وببطنها وجوههم] وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة، فقال الرضا (عليه السلام): هكذا كان يبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضع يده فوق أيديهم، فقال:
أفعل ما ترى.
ثم وضعت بدر الدراهم (1) والدنانير وقطع (2) الثياب والخلع وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان أمر المأمون وولاية عهده للرضا، وذكروا فضل الرضا وفرقت الصلات والجوائز على الحاضرين على قدر مراتبهم، وفرقت في ذلك اليوم أموال عظيمة.
ثم إن المأمون قال للرضا: قم واخطب الناس، فقام وتكلم، فحمد الله وأثنى عليه