مصابيح النظر واضمحلت غوامض الفكر وذم الغفول أهل العقول وكم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات فنوهت بأسماء الملوك وهتفت بالجبارين ودعوت الأطباء والحكماء وناديت معادن الرسالة والأنبياء أتململ تململ السليم وأبكى بكاء الحزين وأنادي ولات حين مناص سوى أنهم كانوا فبانوا وإنني * على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب الفهم وغضاضه فطن العقول بتذكر قلب جريح فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة ومن عجب كيف يسكن إليها من يعرفها وقد استذهلت عقله بسكونها وتزين المعاذير وخسأت أبصارهم عن عيب التدبير وكلما تراه الآيات ونشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية وحالهم وما بهم وكيف كانوا وما الدنيا وغرور الأيام وهل هي إلا لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها وقد أغرق في ذم الدنيا الأدلاء على طرق النجاة من كل عالم فبكت العيون شجن القلوب فيها دما ثم درست تلك المعالم فتنكرت الآثار وجعلت في برهة من محن الدنيا وتفرقت ورثة الحكمة وبقيت فردا كقرن الأعضب وحيدا أقول فلا أجد سميعا وأتوجع فلا أجد مشتكى وإن أبكهم أحرض وكيف تجلدي * وفي القلب منى لوعة لا أطيقها وحتى متى أتذكر حلاوة مذاق الدنيا وعذوبة مشارب أيامها وأقتفي آثار المريدين وأتنسم أرواح الماضين مع سبقهم إلى الغل والفساد وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الأخلاء فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى وخانني الصبر حتى كأني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا وفراق الأحبة فلو رجعت تلك الليالي كعهدها * رأت أهلها في صورة لا تروقها فمن أخص بمعاتبتي ومن أرشد بندبتي ومن أبكى ومن أدع أشجوا بهلكة
(٣٠٩)