فكيف يرقأ دمع لبيب أو يهدأ طرف متوسم على سوء أحكام الدنيا وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات وسكون الحركات وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي تفجع الآباء بالأبناء وتلهى الأبناء عن الآباء تعدمهم أشجان قلوبهم وتسلبهم قرة عيونهم وترمى قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق لا يبوخ حريقها وما عسيت أن أصف من محن الدنيا وأبلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها إلا قليلا أفتنه أو مغيب ضريح تجافت عنه فاعتبر أيها السامع بهلكات الأمم وزوال النعم وفظاعة ما تسمع وترى من سوء آثارها في الديار الخالية والرسوم الفانية والربوع الصموت وكم عالم أفنت فلم تبك شجوه * ولا بد أن تفنى سريعا لحوقها فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ وتأمل معاقل الملوك ومصانع الجبارين وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء وجاهرتهم بالمنكرات وسحبت عليهم أذيال البوار وطحنتهم طحن الرحا للحب واستودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض فتلك مغانيهم وهذى قبورهم * توارثها أعصارها وحريقها أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من الأمم السالفة توقف وتفهم وانظر أي عز ملك أو نعيم أنس أو بشاشة الف إلا نغصت أهله قرة أعينهم وفرقتهم أيدي المنون وألحقتهم بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا في الأرض هامدون وآليت لا تبقى الليالي بشاشة * ولا جدة إلا سريعا خلوقها وفي مطالع أهل البرزخ وخمود تلك الرقدة وطول تلك الإقامة طفيت
(٣٠٨)