فلا جرم باعتبار هذه الحال وما أسداه عليه السلام من الجود والنوال وما أبداه من التكرم والإفضال اعترف له معاوية على رؤوس الأشهاد في غضون المقال فقال له يا أبا محمد لقد جدت بشئ لا تجود به أنفس الرجال ولقد صدق معاوية فيما ذكره عقلا ونقلا وعظم ما أسداه إليه الحسن عليه السلام جودا وبذلا فان النفوس تتنافس في زينة الدنيا ومتاعها قولا وفعلا وتحرص على إحرازها واقتطاعها حرما وحلا فيركب إلى اكتساب محاب حطامها حزنا وسهلا ويستعذب في إدراك منها أسرارا وقتلا.
وفي الجملة:
فهي معشوقة على الغدر لا * * تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا كل دمع يسيل منها عليها * * وبفك اليدين عنها تخلا فمن أخرجها على حبها عنه جدير أن يعد جواد الأمجاد وأن يسجل له باحراز الفلج إذا تفاخرت أمجاد الأجواد.
أقول: إن الشيخ كمال الدين رحمه الله وقف على أنجد هذا الأمر ولم يقف على أغواره وخاض في ضحاضحه ولم يلحج في أغمر غماره وعد تسليم الحسن عليه السلام الخلافة إلى معاوية من كرمه وجوده وإيثاره ولو أنعم النظر علم أنه لم يسلمها إلى معاوية باختياره وانه لو وجد أعوانا وأنصارا لقاتله بأعوانه وأنصاره ولكنه آنس من أصحابه فشلا وتخاذلا جروا منه في ميدان الخلاف ومضماره وشحوا بأنفسهم عن مساعدته فرغبوا عن قربه وسخت أنفسهم بمفارقة جواره وأحبوا بعد داره في الدنيا فبعدت في الأخرى دارهم من داره وفر عنه من فر فتوجه عليه العقاب لفراره وحليت الدنيا في أعينهم فلم يردعهم بالغ مواعظه وإنذاره ومالوا إلى معاوية رغبة في زخرف دنياه وطمعا في درهمه وديناره فسلم إليه الأمر حذرا على نفسه وشيعته