قد أعطى الله عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء، ويأخذ البرئ بالسقيم، والشاهد بالغائب.
فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول: انصرف الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟! فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه من أصحابه إلا ثلاثون نفسا.
فلما رأى ذلك خرج متوجها نحو أبواب كندة (فلما) (1) بلغ الباب ومعه منهم عشرة، فخرت من الباب فإذا ليس معه إنسان، ولا يجد أحدا يدله على الطريق، فمضى على وجهه متلددا (2) في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولدا لها، فسلم عليها وقال: يا أمة الله اسقيني ماء، فسقته وجلس.
فقالت: يا عبد الله، قم فاذهب إلى أهلك؟ فقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل، فهل لك في أجر ومعروف ولعلي أكافئك بعد اليوم؟
فقالت: وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل.
فدخل بيتا في دارها غير الذي تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش.
فجاء ابنها، فرآها تكثر الدخول إلى البيت والخروج منه، فسألها عن ذلك فقالت: يا بني اله عن هذا، قال: والله لتخبريني.