تلك المنازل أنه لو بقي لخلفه ودبر أمر أمته، وقام فيهم مقامه، وعلما بقاء أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول عليه السلام وجبت له الإمامة بعده بلا شبهة، وإنما قلنا إن هارون لو بقي بعد موسى عليه السلام لحلفه في أمته، لأنه قد ثبتت خلافته له في حال حياته، وقد نطق به القران في قوله تعالى: ﴿وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي﴾ (1) وإذا ثبتت له الخلافة في حال الحياة وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها، لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حط له عن مرتبة سنية كانت له، وصرف عن ولاية فوضت إليه، وذلك يقتضي التنفير، وقد يجنب الله تعالى أنبياءه من موجبات التنفير ما هو أقل مما ذكرناه بلا، خلاف فيه بيننا وبين المعتزلة، وهو الدمامة المفرطة، والخلق المشينة، الصغائر المستخفة، وان لا يجبهم فيما يسألونه لأمتهم من حيث يظهر لهم.
واما الوجه الآخر من الاستدلال بالخبر على النص فهو: أن نقول: قد ثبت كون هارون عليه السلام خليفة لموسى عليه السلام، على أمته في حياته ومفترض الطاعة عليهم، وإن هذه المنزلة من جملة منازله منه، ووجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله: (إلا أنه لا نبي بعدي) فدل هذا الاستثناء على أن ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنين عليه السلام بعده، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد تبين صحة النص عليه بالإمامة.
وإنما قلنا: إن الاستثناء في الخبر يدل على بقاء ما لم يستثن من المنازل بعده، لأن الاستثناء كما أن من شأنه إذا كان مطلقا أن يوجب ثبوت ما لم يستثن مطلقا، فكذلك إذا قيد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم