جاء مولاه فذهب به، وأخذت قربته وهي مملوءة ماء، فجئت بها إلى أبي، فقال: من أين جئت بها؟ فقلت: اشتريتها. وكرهت أن أخبره الخبر فيجد على، فقال: اسق القوم. فسقيتهم وشربت آخرهم، ونازعتني نفسي والله القتال، فانطلقت أتقدم فيمن يقاتل. قال: فقاتلتهم ساعة، ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء. قال: فما أمسيت حتى رأيت سقاتهم وسقاتنا يزدحمون على الماء، فما يؤذي إنسان إنسانا. قال: وأقبلت راجعا فإذا أنا بمولى صاحب القربة فقلت: هذه قربتك فخذها، أو ابعث معي من يأخذها، أو أعلمني مكانك.
فقال: رحمك الله، عندنا ما يكتفى به. فانصرفت وذهب، فلما كان من الغد مر على أبي، فوقف فسلم، ورأني إلى جنبه فقال: من هذا الفتى منك؟
قال: ابني. قال: أراك الله فيه السرور، استنقذ والله غلامي أمس، وحدثني شباب الحي أنه كان من أشجع الناس. قال: فنظر إلى أبي نظرة عرفت [منها (1)] الغضب في وجهه، ثم سكت حتى مضى الرجل ثم قال: هذا ما تقدمت إليك فيه (2)؟ قال: فحلفني ألا أخرج إلى قتال إلا بإذنه.
فما شهدت لهم قتالا حتى كان آخر يوم من أيامهم، إلا ذلك اليوم.
نصر، عن يونس بن [أبي (3)] إسحاق السبيعي، عن مهران مولى يزيد ابن هانئ السبيعي قال: والله إن مولاي ليقاتل على الماء، وإن القربة لفي يدي، فلما انكشف أهل الشام عن الماء شددت حتى أستقي، وإني فيما بين ذلك لأرمي وأقاتل.