ثم مضى ومضى معه أصحابه، فلما دنا من عمرو بن العاص قال: يا عمرو:
بعت دينك بمصر! تبا لك، وطالما بغيت الإسلام عوجا! ثم حمل عمار وهو يقول:
صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربي وكان جليلا رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا (1) مقبلا غير مدبر إن للقتل * على كل ميتة تفضيلا إنهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا من شراب الأبرار خالطه * المسك، وكأسا مزاجها زنجبيلا ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر، وذلك قبل مقتله، فقال يا ابن عمر، صرعك الله! بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الإسلام. قال: كلا، ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم. قال: كلا، أشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله، وإنك إن لم تقتل اليوم فستموت غدا. فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك؟
ثم قال عمار: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت. اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحنى عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت. اللهم وإني أعلم مما أعلمتني أني لا أعمل (2) اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته.
نصر، عن يحيى بن يعلى، عن صباح المزني (3)، عن الحارث بن حصيرة