يحفظ مقام العلم والعلماء، والحكمة والحكماء، والايمان والمؤمنين، وكيف كان يقوم طوال حياته المديدة الطويلة بما يجلب للانسانية من السعادة ويشملها بالخيرات الروحية والجسمية، وكيف كان يبث العلم والعمل، وإن شئت فعد إلى نهج البلاغة لترى آراءه الاجتماعية وقضاءه وسياسته، وعد إلى عهد مالك ورسائله إلى عماله وبنيه، وخطبه العظيمة، ثم عد إلى عمله لتراه عاملا ومزارعا وقاضيا وواليا ومحاربا ومجاهدا يواسي الفقير واليتيم والأسير لوجه الله فهو يريد أن يعيش كعيشة أقل افراد حكومته ليتحسس بأذواقهم واحساسهم، ويوصي بذلك عماله، ويتساوى عنده القوي والضعيف، والفقير والغني، والأبيض والأسود، ولا يفرق بين الافراد ساعة العدالة من أية ملة ومذهب ودين ولون وجنس، ولا يصرف بيت المال إلا بالعدل والانصاف وإلى أقصى ما امر به الله ورسوله، وهكذا كان ولاته فمن مثله؟ وكيف كانت في عهده المديد لو ساعد الحظ الأمة وتولى الأمر؟ وكيف كان يسود السلام والوئام والخير الكرة الأرضية؟ وكيف كان يعم الوفاق العالم؟ وكيف لا يعم ونحن نرى تأخر الاسلام انما كان بسبب عدم اتباع الشرع وحدود الله فنرى اختلاف امراء بني أمية في الغرب يوقف تقدمهم في أوربا، واختلافات بني العباس والتفرقة وعدم تمسكهم بالأصول تؤخرهم في الشرق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تجد في زمن عمر كيف يحكم الخليفة بإحراق الكتب في الإسكندرية وبلاد فارس فيعيد البشر آلاف السنين القهقري، إذ قد أحرق نتائج أفكار فحول العلماء والحكماء والأدباء والفنيين من جهة، ومن جهة أخرى أوقف المعارف الاسلامية بوقف الحديث ومنعه، ثم الدرس بيد أبناء الطلقاء والمنافقين أولئك الذين لما يدخل الايمان في نفوسهم، وكيف يستطيع غير ذلك وقد قضى أكثر حياته مشركا ولم تكن له اثرة في العلم والحكمة والشجاعة والتقوى والسابقة والأصالة البيتية، وفاقد الشئ كيف يعطيه!، فكيف تريد أن يعم العلم والعدل والحق والمعرفة والتقوى والأصالة إلا ممن يحملها ويعيرها وزنا،
(٣٥٣)