وفي جميع ما مر عند عدم وجود تشابه بين أجهزة البدن الواحد والسلطات في المجتمع يولد فساد وأدواء اجتماعية قريبة وبعيدة مثل تخصص الأطباء في البدن والحكماء وعلماء الاجتماع في المجتمعات الانسانية وفوق جميع العلماء والحكماء لمعرفة تلك الأدواء هم الأنبياء والرسل الذين جهزهم الله بأوامره وأرسلهم لهداية البشر، ذلك بعرف الدين الحنيف فإذا بحثنا في الدين فيجب أن لا نخلط السياسة به لأن الدين كما نعرف أبعد مدى وأدق في تعليم البشر لسعادته الدنيوية والأخروية وتعميم المساواة في جميع طبقاته دون قيد أو شرط في جنسه ولونه وعنصره وغير ذلك، فكلهم امام الله على حد سواء.
وبعد ان هيأنا أنفسنا دينيا فعلينا عدم ادخال السياسة الدنيوية أبدا في الأمور الدينية. فالسياسة اقتضت في زمن بني أمية ان تسند المناصب الحكومية للعرب فحسب، وأن يكون العرب سادات العالم، وليس لغير العرب ذلك. وجاءت بعدها السياسة العباسية فأدخلت الفرس وثم أدخلت الترك واختلف الآراء والعقائد في الدين الواحد والأصل الواحد بمخالفة الآية (ان أكرمكم عند الله اتقاكم). فكان اسناد المناصب بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غير أهلها وقيام غير الأخصائيين الدينيين الذين عناهم الله ورسوله مؤديا لقيام جميع تلك الفتن والفرق والضعف وجميع تلك المظالم والمفاسد. لذلك قدمنا حديثنا مشروحا عن المواضيع الماضية أخص فيما سلف عن الدين والسياسة وان الدين والسياسة شيئان مختلفان. والدين انما هو من الله وبأمره أوحاه إلى رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوجب اتباعه وقال عن نبيه (لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) (1) كما قال الله أيضا في كتابه الكريم (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2).