قال شيخنا أبو أبو جعفر (رحمه الله): ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لابي بكر، فإنه لو تسمعه الامامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب، لأن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " ارجع "، دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد، لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه، وأنت تعلم حنو الابن على الأب وتبجيله له، واشفاقه عليه وكفه عنه، لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.
وقوله له: " ومتعنا بنفسك "، إيذان له بأنه كان يقتل لو خرج، ورسول الله كان أعرف به من الجاحظ، فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلي الحرب، ومشى إلى السيف بالسيف فقتل السادة والقادة والفرسان والرجالة!
قال الجاحظ: على أن أبا بكر، - وإن لم تكن آثاره في الحرب كآثار غيره - فقد بذل الجهد، وفعل ما يستطيع وتبلغه قوته وإذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، اما قوله انه بذل الجهد، فقد صدق، وأما قوله: " لا حال أشرف من حاله "، فخطأ، لان حال من بلغت قوته فأعملها في قتل المشركين أشرف من حال من نقصت قوته عن بلوغ الغاية، ألا ترى ان حال الرجل أشرف في الجهاد من حال المرأة، وحال البالغ الأيد (2) أشرف من حال الصبي الضعيف!
فهذه جملة ما ذكره الشيخ أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي (رحمه الله) في نقض العثمانية اقتصرنا عليها هاهنا، وسنعود فيما بعد إلى ذكر جملة أخرى من كلامه، إذا اقتضت الحال ذكره (3).