الجهاد، ثم إني رجعت بغنمي كما رحن اليوم الأول، ثم عدت إليه في اليوم الثالث، فلم أزل عند النبي صلى الله عليه وسلم أسمع منه حتى أسلمت، وبايعته وصافحته بيدي، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جئني بالشياه، فجئته بهن، فمسح ظهورهن، وضروعهن، ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت شحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بني هكذا فارع، فقلت: يا خالة ما رعيت إلا حيث كنت أرعى كل يوم، لكن أخبرك بقصتي، فأخبرتها بالقصة، وإتياني النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرتها بسيرته وكلامه فقالت لي أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت أنا وأمي وخالتي، فأسلمنا (1) وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصافحهما.
فهذا ما كان من إسلام أبي قرصافة وهجرته (2)، قال ابن عبد البر رحمة الله عليه: أبو قرصافة الكناني اسمه جندرة بن خيشنة بن نفير من بني كنانة له صحبة، ونسبه بعضهم، فقال: أبو قرصافة جندرة بن خيشنة بن مرة بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحارث بن مالك بن النضر بن كنانه، وقيل:
اسمه قيس بن سهل، ولا يصح، سكن فلسطين، وقيل: أرض تهامة، قال مؤلفه (3): حديثه في الطبراني لما أسر ولده ببلاد الروم، وقبره بعسقلان، وتسميه العامة قبر أبي هريرة.
وأما حديثه فقال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى بن بشر الغزي بغزة، حدثنا أيوب بن علي بن هيصم، حدثنا زياد بن يسار، عن عزة بنت عياض عن جدها أبي قرصافة جندرة بن خيشنة الليثي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نضر الله سامع مقالتي، فوعاها، فحفظها، فرب حامل علم إلى من هو أعلم به منه، ثلاث لا يغل عليهن القلب، إخلاص العمل فيه، ومناصحة الولاة، ولزوم الجماعة.
قال الطبراني: لا يروي عن أبي قرصافة إلا بهذا الإسناد، وبلغني أن ابنا لأبي قرصافة أسرته الروم، فكان أبو قرصافة يناديه في سوق عسقلان وقت الصلاة بها... يا فلان الصلاة، فيسمعه، فيجيبه، وبينهما عرض البحر.