قال المؤلف - رحمه الله: إن كان علي رضي الله تبارك وتعالى عنه هو الذي قتل عمارا إلا أنه جاء به حتى قاتل فقتل، فقياسه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قتل [حمزة]، لأنه هو الذي جاء به حتى قتل يوم أحد، ومعاذ الله من ذلك، فما قتل عمارا إلا البغاة أهل الشام كما قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء مشركو مكة.
وخرج الحاكم (1) من حديث عطاء بن مسلم الحلبي قال: سمعت الأعمش يقول: قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدت صفين فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، ودخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال! قال: أي رجل؟ قال عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بني رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، وأنت ممن حضر، قال: أما إنك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال؟ فقال: اسكت فوالله ما تزال ترحض في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا.
قال المؤلف - رحمه الله -: إني لأعجب كيف ذهل الحاكم أبو عبد الله عن هذا الوهم؟ فإن عمرو بن العاص لم يحضر بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف، فإنه كان يوم بنائه على دين قومه، وإنما أسلم بعد ذلك بسنتين في سنة ثمان قبل الفتح، وقيل: أسلم بين الحديبية وخيبر، وقيل: أسلم عام خيبر، والصحيح أنه أسلم في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، ولا خلاف في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى مسجده عند قدومه إلى المدينة مهاجرا.