إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٦
كلا (1)، فأبشر، فوالله لا يخزيك الله......................

(١) " كلا "، معناها في العربية على ثلاثة أوجه: حرف ردع وزجر، وبمعنى حقا، وبمعنى إي:
فالأول كما في قوله تعالى: (كلا إنها كلمة هو قائلها)، إشارة إلى قول القائل: (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) [الآية ١٠٠ / المؤمنون]، أي انته عن هذه المقالة، فلا سبيل إلى الرجوع.
والثاني: نحو (كلا إن الإنسان ليطغى) [الآية ٦ / العلق]، أي حقا، لم يتقدم على ذلك ما يزجر عنه، كذا قال قوم، وقد اعترض على ذلك بأن حقا تفتح " أن " بعدها، وكذلك أما تأتي بمعناها، فكذا ينبغي في " كلا "، والأولى أن تفسر " كلا " في الآية بمعنى ألا التي يستفتح بها الكلام، وتلك تكسر ما بعدها " إن "، نحو: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم)، [الآية ٦٣ / يونس]، والثالث: قبل القسم، نحو (كلا والقمر) [الآية ٣٢ / المدثر]، معناه إي والقمر، كذا قال النضر بن شميل، وتبعه جماعة منهم ابن مالك، ولها معنى رابع، تكون بمعنى ألا. (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب): ١٥.
وقال العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: وهي " أي كلا " عند سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر نحاة البصرة، حرف معناه الردع والزجر، لا معنى له سواه، حتى إنهم يجيزون الوقف عليها أبدا والابتداء بما بعدها، حتى قال بعضهم: إذا سمعت " كلا " في سورة، فاحكم بأنها مكية، لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتو كان بها. وفيه نظر، لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتو بها لا عن غلبته.
ثم إنه لا يظهر معنى الزجر في " كلا " المسبوقة بنحو (في أي صورة ما شاء ركبك) [الآية ٨ / الانفطار]، (يوم يقوم الناس لرب العالمين) [الآية ٦ / المطففين]، (ثم إن علينا بيانه) [الآية ٣٠ / القيامة].
وقول من قال: فيه ردع عن ترك الإيمان بالتصوير، في أي صورة ما شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، فيه تعسف ظاهر. ثم إن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق، ثم نزل: (كلا إن الإنسان ليطغى) [الآية 6 / العلق]، فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا، كلها في النصف الأخير.
ورأى الكسائي وجماعة أن معنى الردع ليس مستمرا فيها، فزادوا معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها، ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال: فقيل: بمعنى حقا، وقيل بمعنى ألا الاستفتاحية، وقيل: حرف جواب بمنزلة أي ونعم، وحملوا عليه: (كلا والقمر) [الآية 32 / المدثر]، فقالوا: معناه إي والقمر، وهذا المعنى لا يتأتي في آيتي المؤمنين والشعراء: (كلا إنها كلمة هو قائلها) [الآية 100 / المؤمنون]، (كلا إن معي ربي) [الآية 62 / الشعراء].
وقول من قال: بمعنى حقا، لا يتأتي في نحو: (إن كتاب الفجار)، (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) [الآيتان 7، 15 المطففين]، لأن " إن " تكسر بعد ألا الاستفتاحية، ولا تكسر بعد حقا، ولا بعد ما كان بمعناها، ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف بأسم.
وإذا صلح الموضع للردع ولغيره، جاز الوقف عليها، والابتداء بها، على اختلاف التقديرين.
والأرجح حملها على الردع، لأنه الغالب عليها، وذلك نحو: (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول) [الآيتان 78، 79 مريم].
(واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا لا سيكفرون بعبادتهم) [الآيتان 81، 82] / مريم].
وقد يتعين للردع أو الاستفهام نحو: (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها) [الآية 100 / المؤمنون]، لأنها لو كانت بمعنى حقا لما كسرت همزة إن، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع، لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانا، فتقول: نعم. ونحو:
(قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين) [الآيتان 61، 62 / الشعراء]، وذلك لكسر إن، ولأن نعم بعد الخبر للتصديق.
وقد يمتنع كونها للزجر والردع، نحو: (وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر) [الآيتان 31، 32 / المدثر]، إذ ليس قبلها ما يصح رده.
وقرئ: (كلا سيكفرون بعبادتهم) [الآية 82 / مريم] بالتنوين، إما على أنه مصدر كل إذا أعيا، أي كلوا في دعواهم وانقطعوا، أو من الكل وهو الثقل، أي حملوا كلا. وجوز الزمخشري كونه حرف الردع نون كما في (سلاسلا) [الآية 4 / الإنسان]، ورد عليه بأن (سلاسلا) اسم أصله التنوين فرد إلى أصله، ويصحح تأويل الزمخشري قراءة من قرأ (والليل إذا يسر) [الآية 4 / الفجر] إذا الفعل ليس أصله التنوين.
وقال ثعلب: كلا مركب من كاف التشبيه ولا النافية، وإنما شددت لامها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين، وعند غيره بسيطة كما ذكرنا، والله تعالى أعلم. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز): 4 / 381 - 383.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 5 6 7 7 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396