أموره كلها ما خصه الدليل.
قلت: الجواب عن الأول: أن أحدا لا ينازع في التأسي به صلى الله عليه وسلم في الجملة، لأنه لما قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم، فقد أجمعوا على وقوع التأسي به، والآية ما دلت إلا على المرة الواحدة، فكان التأسي به صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة كافيا في العمل بالآية، لا سيما والآية إنما وردت على صيغة الإخبار عما مضى، وذلك يكفي فيه وقوع التأسي به فيما مضى.
والجواب عن الثاني: أنك إن أردت أنه لا يصح إطلاقه اسم الأسوة إلا إذا كان أسوة في كل شئ فهو ممنوع، ثم يدل على فساده وجهان:
الأول: أنه من يعلم من إنسان نوعا واحدا من العلم يقال له: إن لك في فلان أسوة حسنة في كل شئ، ويقال لك في فلان أسوة حسنة في هذا الشئ دون ذاك ولو اقتضى اللفظ العموم لكان الأول تكرار، والثاني نقصا، وإن أردت أنه يصح إطلاق اسم الأسوة إذا كان أسوة في بعض الأشياء فهذا مسلم، ولكنه صلى الله عليه وسلم أسوة لنا في أقواله وأفعاله التي أمرنا بالاقتداء بها كقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم ".
والجواب عن الحجة الثانية: أن قوله تعالى: (فاتبعوه) يطلق في الاتباع فلا يفيد العموم في كل الاتباعات، والأمر لا يقتضي التكرار، فلا يفيد العموم في كل الأزمنة، فإن قلت: ترتب الحكم على الاسم يشعر بأن المسمى علة لذلك الحكم، فماهية المتابعة علة الأمر بها، قلت: فعلى هذا لو قال السيد لعبده:
اسقني، يلزمه أن يكون أمرا له يجمع أنواع السقي في كل الأزمنة، وفي هذه الأمثلة كثرة، وما ذكرناه في فساد ما قالوا، وأما الإجماع فقد سبق الكلام عليه، قال: لما عرفت أن التأسي مطابقة المتأسي به في الوجه وجب معرفة الوجه الذي عليه وقع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ثلاثة: الندب والإباحة والوجوب.
أما الإباحة فتعرف بطرق أربعة:
أحدها: أن ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه مباح.
وثانيها: أن تقع امتثالا لأنها دالة على الإباحة.