النسخ، يعني أنه قد زال التعبد بمثله، فإن التخصيص قد لحقه على معنى أن المكلفين لا يلزمهم مثله والله أعلم. وأنه قال في جواب [من سأل] (١) أم سلمة رضي الله عنها عن القبلة الصائم: ألا أخبرتيه أني أقبل وأنا صائم، وأما المعقول فمن وجهين:
الأول: أن الاحتياط يقتضي حمل الشئ على أعظم مراتبه، وأعظم مراتب فعل الرسول صلى الله وسلم أن يكون واجبا عليه وعلى أمته، فوجب حمله عليه ببيان الأول أن الاحتياط يتضمن دفع الضرر الخوف عن النفس بالكلية، ودفع الضرر واجب ببيان الثاني، أن أعظم مراتب الفعل أن يكون واجبا على الكل.
الثاني: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيم له بدليل العرف، والتعظيمان مشتركان في هذا القدر من المناسبة، فيجمع بينهما بالقدر المشترك فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله، والجواب عن الأول: أنا لا نسلم أن الأمر حقيقة في الفعل، فليس حمله على ذلك بأولى من حمله على هذا سلمناه، لكن هاهنا ما يمنع حمله على الفعل من الوجهين: الأول أن تقدم ذكر الدعاء وذكر المخالفة، وذكر الدعاء يمنع منه، فإن الإنسان إذا قال لعبده: لا تجعل دعائي كدعائي غيري واحذر مخالفة أمري، فهم منه أنه أراد بالأمر القول الثاني، وهو قد أنه أريد به القول بالإجماع، ولا يجوز حمله على الفعل، إلا أن اللفظ المشترك لا يجوز حمله على معنييه سلمنا ذلك، ولكنها راجعة إلى الله تعالى لأنه أقرب المذكورين، فإن قلت: القصد هو الحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى قال: ﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾ (2)، فحث بذلك على الرجوع إلى أقواله وأفعاله، ثم عقب ذلك بقوله: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (2)، فعلمنا أنه حث بذلك على التزام ما كان دعاء الله من الرجوع إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فلم لا يجوز الحكم بصرف الكناية إلى الله والرسول؟ قلت: الجواب عن الأول صرف الضمير إلى الله تعالى مؤكد لهذا الغرض أيضا، ولأنه لما حث على الرجوع إلى أقوال الرسول وأفعاله