دلت الآية بإطلاقها على وجوب طاعة الرسول، والآتي بمثل ما فعله الغير لأجل أن ذلك الغير فعله طالع لذلك الغير، فوجب أو يكون ذلك واجبا.
وسابعها: قوله تعالى: ﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾ (1)، بين أنه تعالى إنما زوجه لها ليكون حكم أمته مساويا لحكمه في ذلك وهو المطلوب.
وأما الإجماع فلأن الصحابة بأجمعهم اختلفوا في الغسل بالتقاء الختانين، فقالت عائشة رضي الله عنها: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا، فرجعوا إلى ذلك، وإجماعهم على الرجوع حجة، وهو المطلوب.
وإنما كان ذلك لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجمعوا هاهنا على أن مجرد الفعل للوجوب، ولأنهم واصلوا الصيام لما واصل، وخلعوا نعالهم لما خلع، وأمر هم عام الحديبية بالتحلل فتوقفوا، فشكا ذلك إلى أم سلمة رضي الله عنها فقالت: اخرج إليهم فاحلق واذبح، ففعل، فحلقوا وذبحوا مسارعين، وأنه خلع خاتمة فخلعوا، وأن عمر رضي الله عنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك، وأما خلع الخاتم فهو مباح، فلما خلع أحبوا موافقته لا لاعتقادهم وجوب ذلك عليهم.
والجواب عن الوجه الأول من المعقول أن الاحتياط إنما يصار إليه إذا خلا عن الضرر قطعا، وهاهنا ليس كذلك لاحتمال أن يكون ذلك الفعل حراما، وإذا احتمل الأمران لم يكن المصير إلى الوجوب احتياطا.
وعن الثاني إن ترك الإتيان بمثل ما يأتي به الملك العظيم قد يكون تعظيما، ولذلك يقبح من العبد أن يفعل كل ما يفعله سيده، واحتج القائلون بالندب بالقرآن والاجماع والمعقول.
أما القرآن: فقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، فلو كان التأسي به واجبا لقال عليه، ولما لم يقل ذلك وقال لكم دل على عدم الوجوب، ولما أثبت الأسوة دل على رجحان جانب الفعل على الترك، فلم يكن