مباحا.
وأما الإجماع: فهو أنا رأينا أهل الأمصار متطابقين على الاقتداء في الأفعال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على انعقاد الإجماع على أنه يفيد الندب.
وأما المعقول: فهو أنه يفيد أن فعله إما أن يكون راجح العدم أو مساوي العدم أو مرجوح العدم، والأول باطل لما ثبت أنه لا يوجد منه الذنب، والثاني باطل ظاهر، لأن الاشتغال به عبث مزجور عنه لقوله تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا﴾ (1)، فتعين الثالث، وهو أن يكون مرجوح العدم.
ثم لما تأملنا أفعاله صلى الله عليه وسلم وجدنا بعضها مندوبا وبعضها واجبا، والقدر المشترك هو رجحان جانب الوجوب وعدم الوجوب ثابت بمقتضى الأصل، فأثبتنا الرجحان مع عدم الوجوب.
والجواب عن الأول ما تقدم: أن التأسي في إيقاع الفعل على الوجوب الذي أوقعه، فلو فعله واجبا أو مباحا وفعلناه مندوبا لما حصل التأسي.
وعن الثاني أنا لا نسلم أنهم استدلوا بمجرد الفعل، فلعلهم وجدوا مع الفعل قرائن آخر.
وعن الثالث: لا نسلم أن فعل المباح عبث، لأن العبث هو الخالي عن العرض، وإذا حصل في المباح منفعة ناجزة لم يكن عبثا، بل من حيث النفع به خرج عن العبث، فلم قلتم بأنه خلي عن العرض، ثم حصول العرض في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم متابعته في أفعاله بين، فلا يعد من أقسام العبث.
واحتج القائلون بالإباحة بأنه لما ثبت أنه لا يجوز صدور الذنب منه صلى الله عليه وسلم ثبت أن فعله لا بد وأن يكون مباحا أو مندوبا أو واجبا، وهذه الأقسام الثلاثة مشتركة في رفع الحرج عن الفعل، فأما رجحان جانب الفعل يثبت على وجوده دليلا لأن الكلام فيه، وثبت على عدمه دليل، لأن هذا الرجحان كان معدوما، والأصل