لو كنا هناك لم نصل العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام. وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الاخذ بالظاهر. وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم المصيبون لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة لا تأخير الصلاة فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه. وأما على قول من يجوز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البخاري حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا فلا إشكال على من أخر ولا على من قدم أيضا. والله أعلم.
ثم قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومعه رايته وابتدرها الناس. وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغتسله كما يزعمون قد رجل أحد شقيه أتاه جبريل على فرس عليه لامته، حتى وقف بباب المسجد، عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: غفر الله لك، أو قد وضعت السلاح؟
قال: نعم. فقال جبريل: لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدو، وما زلت في طلبهم حتى هزمهم الله - ويقولون إن على وجه جبريل لاثر الغبار - فقال له جبريل: إن الله قد أمرك بقتال بني قريظة فأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة نزلزل بهم الحصون فاخرج بالناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم فقال: مر عليكم فارس آنفا؟ قالوا: مر علينا دحية الكلبي على فرس أبيض، تحته نمط أو قطيفة ديباج عليه اللامة، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل، فقال: الحقوني ببني قريظة فصلوا فيهم العصر، فقاموا وما شاء الله من المسلمين فانطلقوا إلى بني قريظة فحانت صلاة العصر، وهم بالطريق، فذكروا الصلاة فقال بعضهم لبعض: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة. وقال آخرون: هي الصلاة، فصلى منهم قوم وأخرت طائفة الصلاة حتى صلوها في بني قريظة، بعد أن غابت الشمس، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عجل منهم الصلاة، ومن أخرها، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنف واحدا من الفريقين. قال فلما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه وقال: ارجع يا رسول الله فإن الله كافيك اليهود، وكان علي قد سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن فكره أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تأمرني بالرجوع، فكتمه ما سمع منهم فقال: أظنك سمعت في منهم أذى، فامض فإن أعداء الله لو رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم فقال: أجيبوا يا معشر يهود، يا إخوة القردة، قد نزل بكم خزي الله عز وجل، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع