قالوا أنفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما يخف عنك من المسخ، فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما. ثم انها بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفا الأوس نستشيره في أمرنا. فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد (1)؟ قال نعم. وأشار بيده إلى حلقه، أنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله. ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت. وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا. قال ابن هشام: وأنزل الله فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [الأنفال: 27]. قال ابن هشام:
أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة، فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط حتى نزلت توبته في قوله تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) [التوبة: 102].
وقول موسى بن عقبة: انه مكث عشرين ليلة مرتبطا به. والله أعلم. وذكر ابن إسحاق: أن الله أنزل توبته على رسوله من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة، فجعل يبتسم، فسألته أم سلمة فأخبرها بتوبة الله على أبي لبابة فاستأذنته أن تبشره، فأذن لها، فخرجت فبشرته، فثار الناس إليه يبشرونه وأرادوا أن يحلوه من رباطه فقال والله لا يحلني منه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر حله من رباطه رضي الله عنه وأرضاه. قال ابن إسحاق: ثم أن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم أسلموا في تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال من هذا؟ قال أنا عمرو بن سعدى - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب لم يدر أين توجه من