يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني. قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت [في] ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم، يقول بيديه على النار، ويمسح خاصرته ويقول: الرحيل، الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهما من كناتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي، لأرميه به في ضوء النار، فذكرت، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني، فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت للعسكر (2) فإذا أدنى الناس مني بنو عامر، يقولون: يا آل عامر الرحيل، الرحيل، لا مقام لكم. وإذا الريح في عسكرهم، ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لاسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم (3) الريح تضرب بها، ثم إني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت بي الطريق، أو نحو من ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارسا، أو نحو ذلك معتمين، فقالوا:
أخبر صاحبك، أن الله قد كفاه. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. فأخبرته خبر القوم، أخبرته أني تركتهم يرحلون قال: وأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) [الأحزاب: 9] يعني الآيات كلها إلى قوله (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) (4) أي صرف الله عنهم عدوهم بالريح التي أرسلها عليهم والجنود من الملائكة وغيرهم التي بعثها الله إليهم وكفى الله المؤمنين القتال أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم بل صرفهم القوي العزيز بحوله وقوته. لهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله ألا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شئ بعده (5). وفي قوله: (وكفى الله المؤمنين القتال) إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبينهم وهكذا وقع ولم ترجع قريش بعدها إلى حرب المسلمين كما قال محمد بن إسحاق رحمه الله، فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: لن تغزوكم قريش بعد عامكم ولكنكم تغزونهم. قال: فلم تغز قريش بعد ذلك وكان يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله عليه مكة وهذا بلاغ من ابن إسحاق (6). وقد قال الإمام أحمد: حدثنا