شعره بأنهم سبوا من نسائهم وهذا واضح فيما ذكرناه والله أعلم. وأما ابن إسحاق فإنه ذهب إلى أنه لم يكن إلا المخاشاة والتخلص من أيدي الروم وسمى هذا نصرا وفتحا أي باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو بهم وتراكمهم وتكاثرهم وتكاتفهم عليهم، فكان مقتضى العادات أن يصطلحوا (1) بالكلية، فلما تخلصوا منهم وانحازوا عنهم كان هذا غاية المرام في هذا المقام وهذا محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام " ففتح الله عليهم " والمقصود أن ابن إسحاق يستدل على ما ذهب إليه فقال: وقد قال فيما كان أمر الناس وأمر خالد بن الوليد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم قيس بن المجسر اليعمري يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس يقول:
فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل (2) وقفت بها لا مستحيزا فنافذا * ولا مانعا من كان حم له القتل على أنني آسيت نفسي بخالد * ألا خالد في القوم ليس له مثل وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عزل قال ابن إسحاق: فبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت، وحقق انحياز خالد بمن معه. قال ابن هشام: وأما الزهري فقال - فيما بلغنا عنه - أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ففتح الله عليهم، وكان عليهم حتى رجع إلى المدينة (3).
فصل قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أم عيسى الخزاعية عن أم جعفر بنت محمد ابن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دبغت أربعين منا (4) وعجنت عجيني وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إئتني ببني جعفر " فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ؟ قال " نعم أصيبوا هذا اليوم " قالت:
فقمت أصيح واجتمع إلي النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال " لا تغفلوا عن آل جعفر