وكان ربع القامة إلى القصر ما هو، درى اللون، صغير العينين، أحور حسن الوجه واللحية أصهبها، أفضت الخلافة إليه، وهو صغير، غر ترف، لم يعان الأمور، ولا وقف على أحوال الملك. فكان الامراء والوزراء والكتاب، يدبرون الأمور، ليس له في ذلك حل ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة وغلب على الامر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأداه ذلك إلى سفك دمه، واضطربت الأمور بعده، وزال كثير من رسوم الخلافة.
قال المسعودي: ولم يتقلد الخلافة من أمية وبنى العباس إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 في خلافة المطيع من اسمه جعفر إلا جعفر المتوكل وجعفر المقتدر، وكان مقتلهما جميعا في شوال قتل المتوكل على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247 ولم يهج لأجل ذلك فتنة ولا شهر لأجله سيف وقتل المقتدر بين خاصة وضائعه دون سائر من كان معه يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال على ما ذكرنا وتولى قتل المقتدر موالي أبيه المعتضد وكانت فيه وفى أيامه أمور لم يكن مثلها في الاسلام منها أنه ولى الخلافة، ولم يل أحد قبله من الخلفاء وملوك الاسلام في مثل سنه، لان الامر أفضى إليه وله ثلاث عشرة سنة وشهران وثلاثة أيام ومنها انه ملك خمسا وعشرين سنة إلا خمسة عشر يوما، ولم يملك هذا أحد من الخلفاء وملوك الاسلام قبله ومنها انه استوزر اثنى عشر وزيرا فيهم من وزر له المرتين والثلاث، ولم يعرف فيما قبله انه استوزر هذه العدة ومنها غلبة النساء على الملك والتدبير حتى أن جارية لامه تعرف بثمل القهرمانة كانت تجلس للنظر في مظالم الخاصة والعامة ويحضرها الوزير والكاتب والقضاة،