الرطوبة واليبس، والهواء الذي يلي الماء يوافقه في الرطوبة ويختلفان في الحر والبرد، والنار التي تلي الهواء توافقه في الحر ويختلفان في اليبس والرطوبة وكذلك أيضا الزمان فإنه مقسوم بأربعة اقسام فقسم ربيعي دموي هوائي، وقسم صيفي صفراوي ناري، وقسم خريفي سوداوي أرضي، وقسم شتائي بلغمي مائي فسبحان من دبر الأمور بحكمته وأتقنها بقدرته فلا يوجد فيها خلل، ولا يبين فيها زلل. إذ كان الاهمال لا يأتي بالصواب والتضاد لا يأتي بالنظام.
وقد شبه ابطلميوس فصل الربيع بفصل الطفولية وفصل الصيف بالشباب والخريف بالكهولة والشتاء بالشيخوخة وقد تنازع من تقدم وتأخر من حكماء الأمم وفلاسفتهم في المبتدأ به من فصول السنة ومداخلها وأوائلها ومددها، فمنهم من اختار تقديم الفصل الربيعي وصيره أول السنة لأنه الوقت الذي يبتدئ النهار فيه بالزيادة وأنه مع ذلك رطب والرطوبة ولية بان تكون ابتداء الأشياء الكائنة ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي لأنه الوقت الذي فيه كمال طول النهار وأن مد النيل بمصر فيه يكون وفيه تطلع الشعرى اليمانية التي تقطع السماء عرضا ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لان جميع الثمار فيه تستكمل والبذور فيه تبذر وانما سمى الخريف لان الثمار تخترف فيه أي تجتنى والعرب تسميه الوسمي بالمطر الذي يكون فيه ذلك أن أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة وقد يبست بالصيف فتسميه بهذا الاسم لأنه يسم الأرض، وهم يبتدئون من الأزمان بهذا الفصل لان المطر الذي به عيشهم فيه يبتدئ، ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الشتوي لان النهار فيه يبتدئ باسترداد ما نقص منه والازدياد في طوله وقد ذكر ذلك ابطلميوس القلوذي في كتابه المعروف