عامل محمد بن هارون على الجزيرة وجند قنسرين والعواصم والثغور، واضطرب البلد بعد وفاته، وتغلب كل رئيس قوم عليهم، وصار الناس حزبين: حزب يظاهر بمحمد وحزب يظاهر بالمأمون، فلم يبق بلد إلا وفيه قوم يتحاربون لا سلطان يمنعهم ولا يدفعهم، واخذ طاهر من ناحية الجبل إلى الأهواز، وقتل محمد بن يزيد بن حاتم عامل محمد وجيلويه الكردي.
وتوجه زهير بن المسيب الضبي إلى فارس، فأخذها وبايع بها، وصار طاهر إلى واسط لثلاث خلون من رجب بعد أن بايع أهل البصرة للمأمون على يد منصور بن المهدي، وبالكوفة على يد الفضل بن موسى بن عيسى، وبالموصل على يد المطلب بن عبد الله، وبمصر على يد عباد بن محمد، وبالرقة على يد الحسين بن علي بن ماهان، فأخرجه من كان بها من الزواقيل وغيرهم، فقدم بغداد لثمان خلون من رجب سنة 196، فأنكر مذهب محمد، وبلغه عنه ما يكره، فدعا الجند ببغداد إلى بيعة المأمون، فأجابوه، فوثب على محمد، فحبسه وأمه وولده، فلما حبسهم طالبه الجند بأرزاقهم، فاعتل عليهم، فقبضوا عليه، وأخرجوا محمدا وأمه وولده من الحبس، وبايعوه، وضربوا عنق الحسين ابن علي، فسألوا محمدا في أرزاقهم، فأعطاهم خمسمائة خمسمائة، وقارورة غالية، وعقد أربعمائة لواء لقواد شتى، واستعمل عليهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وأمرهم بالميسر إلى هرثمة، وهرثمة يومئذ معسكر بالنهروان، فالتقوا في شهر رمضان، فهزمهم وأسر علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعث به إلى المأمون.
وزحف بجيشه حتى صار بموضع يقال له نهريين، من بغداد على فرسخ أو فرسخين، وصار طاهر بنهر صرصر على أربعة فراسخ من بغداد، وكان طاهر في الجانب الغربي وهرثمة في الجانب الشرقي، وحرب بغداد قائمة في الجانبين جميعا، إلا أن الأسواق قائمة، والتجار على حالهم لا يهاجون، وتجتمع على التاجر الواحد جماعة من أصحاب المأمون وجماعة من أصحاب محمد، فلا