قال أبو بكر بن العربي: (ولقد كنت يوما مع بعض المعلمين فجلس إلينا أبي رحمة الله عليه يطالع ما انتهى إليه علمي في لحظة سرقها من زمانه مع عظيم اشغاله وجلس بجلوسه من حضر من قاصديه، فدخل إلينا بعض السماسرة وعلى يديه رزمة كتب، فحل شناقها وأرسل وثاقها، فإذا بها من تأليف السمناني شيخ الباجي. فسمعت جميعهم يقولون: وهذه كتب عظيمة وعلوم جليلة جلبها الباجي من المشرق، فصعدت هذه الكمة كبدي وقدعت خلدي، وجعلوا يوردون في ذكره ويصدرون ويحكمون أن فقهاء بلادنا لا يفهمون عنه ولا يعقلون) (ولولا إن طائفة نفرت إلى دار العلم وجاءت بلباب منه كالأصيلي والباجي فرشت من ماء العلم على هذه القلوب المستة وعطرت أنفاس الأمة الزفرة لكان الدين قد ذهب) (وكل من رحل لم يأت بمثل ما اتيت به إنا والقاضي أبو الوليد الباجي، واما غيرنا فقد تعب) وقال عياض: (كان أبو الوليد - رحمه الله - فقيها نضارا محققا راوية محدثا يفهم صنعة الحديث ورجاله، متكلما أصوليا فصحيا شاعرا مطبوعا حسن التأليف معين المعارف، له في هذه لأنواع تصانيف مشهورة جليلة، ولكن أبلغ ما كان فيها في اللغة والفقه، واتقانه على طريق النظر من البغداديين وحداق القرويين والقيام بالمعني والتأويل، وكان وقورا بهيا مهيبا جيد القريحة حسن الشارة) (وكان له إخوة جلة نبلاء وبيته بيت علم ونباهة) ولم يكن بالأندلس قط اتقن منه للمذهب يعني: المذهب المالكي.
(١٠٢)