الأندلس وقراها، حتى فشا علمه وبعد صيته، فأخذ يتصل بالأمراء من جديد، ويحثهم على الاتحاد والجهاد، ويطوف عليهم واحدا واحدا، وكلهم يصغي إلى وعظه، فقربه الرؤساء حينئذ واستعملوه في أمانتهم والترسل فيما بينهم، فأجزلوا صلاته، فبعد إن كان ندب نفسه من عنديته، أصبح سقيرا متنقلا من إمارة إلى أخرى من قبل ذوي السلطان والنفوذ (وكان أكثر تردد أبي الوليد بشرق الأندلس ما بين سرقسطة بلنسية ومرسية ودانية) وذو الوزارتين الذي لقيه به الحميدي أنفا، لا ندري أهو تكليف أم تشريف، ولم نعثر على اي نص أخر يشعرنا بتحمله منصبا كهذا الا ما كان من ابن بسام الذي يشير إلى رتبة عالية تشبهها في وثيقة من انشاء الوزير أبي محمد بن عبد البر على لسان إقبال الدولة علي بن مجاهد أمير دانية، يخاطب بها المظفر أمير بطليموس حيث يقول:
(الفقيه الحافظ أبو الوليد الباجي غدى نعمتك ونشأة دولتك، هو من آحاد عصره في علمه وأفراد دهره في فهمه، وما حصل أحد من علماء الأندلس متفقها على مثل حظه وقسمه، وقد تقم له بالمشرق صيت وذكر، وحصل بجزي تناولك فيه جمال وفخر، فإنك إليك تنعطف أسبابه، وعليك تلتفي وتلتف آرابه، لكن شددت عليه يدي وجعلته علم بلدي يشاور في الاحكام ويعتدي إليه في الحلال والحرام فقد ساهمتك فيه وشاركتك فيه كما تساهمنا وتشاركنا في الأحوال السلطانية والأمور الدنيوية) فقوله: (شددت عليه يدي وجعلته علم بلدي) الخ. يشعر بتقلده وزارة، لا مشاورا للقاضي فحسب، بل هو مشاور الأمير نفسه، لكنه لم يلقب بالوزير لتشبثه بالتحرر من القيود الإدارية، والمسؤولية الرسمية، ولكونه ندب نفسه ليقوم بتوحيد الصفوف وعدم الاختصاص بأي أمير.